عمل خطير وشاق

أن تكون أجنبياً وتعمل في العراق، يعني أن تعرض حياتك للخطر. لكن هذا بالضبط ما تفعله عالمة الآثار سينه ستويكه الألمانية، فهي تساعد في الكشف عن المقابر الجماعية التي تعود إلى عهد دكتاتورية صدام. تقرير رالف بورشارد.

سينه شتويكه، الصورة: من الأرشيف الخاص
"لقد صدمتني أولى صوّر المقابر الجماعية التي فتحها السكان المحليون".

​​أن تكون أجنبياً وتعمل في العراق، يعني أن تعرض حياتك للخطر. لكن هذا بالضبط ما تفعله عالمة الآثار سينه ستويكه من مدينة بوخوم الألمانية، فهي تساعد منذ سنتين في الكشف عن المقابر الجماعية التي تعود إلى عهد دكتاتورية صدام، ومن ثم بالتعرّف على الضحايا. تقرير رالف بورشارد.

ما الذي يدفع بإمرأة ألمانية في الخامسة والثلاثين من العمر للذهاب إلى العراق؟ إنها مهنتها! فهي عالمة آثار مختصة بالشرق الأدنى، بالإضافة إلى اعتدادها بنفسها الذي يفوق كل المخاوف. الصور التي شاهدتها في التلفاز بعد الإجتياح الأمريكي عام 2003 دفعتها إلى اتخاذ قرار حاسم:

"لقد صدمتني أولى صوّر المقابر الجماعية التي فتحها السكان المحليون. في تلك اللحظات فكرت أنه أريد ان أنشط شخصياً في هذا المجال".

كان الناس وقتذاك ينبشون بأيديهم المجردة المقابر الجماعية، التي كانت تعود إلى الثمانينيات ومطلع التسعينيات. حينذاك كان الدكتاتور العراقي صدام حسين قد أمر في ما يسمى بحملة الأنفال بقتل عشرات الآلاف من الأكراد، وأمر لاحقاً، بعد حرب الخليج الأولى بقتل عدد غير معروف من الشيعة.

لابد من إستخراج جثث هؤلاء الضحايا من قبل أخصائيين، هذه هي قناعة سينه ستويكه. لذا شرعت بالسفر الى العراق بعد بضعة أشهر من التحضير، على الرغم من وصف والديها لها بالجنون في بداية الأمر:

"ارتبط هذا القرار بالكثير من الخوف بالطبع، إذ لا يقول أحد بين ليلة وضحاها: والدتي، والدي ها أنا سأسافر الآن إلى العراق بغية استخراج الجثث هناك. والِديّ حذراني وقالا لي: لا يمكنك القيام بعمل كهذا، نخاف أن لا نراك على قيد الحياة ثانية".

عمل شاق

سافرت سينه ستويكه معتمدة على ذاتها، ودون اية إرتباطات. انتقلت بسيارة أجرة عن طريق الفلوجة وبغداد إلى اربيل في شمال العراق. وشرعت هناك بالبحث، وإقامة العلاقات ولامست بسرعة الأهمية الشديدة للتوصل إلى يقين لدى العائلات المنكوبة بشأن أمواتهم، والى اهمية دفن ذوويهم بالشكل اللائق بعد ذلك.

تصف عالمة الآثار القادمة من مدينة بوخوم يوم عملها العادي جداً كالتالي: "الجو حار ومليء بالغبار، إذ يبدأ المرء العمل في الصباح الباكر جداً، فيومي يبدأ بين الساعة الخامسة والنصف والسادسة حيث انطلق إلى المقبرة الجماعية، لأحاول أثناء النهار انتشال أكبر عدد ممكن من الجثث وبشكل كامل قدر الإمكان.

ظن الناس، الذين طالتهم حملة الأنفال خصوصاً، بأنهم سيبعدون عن البلد. ما دفع ببعض النساء والأطفال لأن يرتدوا الكثير من الملابس، وكان بحوزتهم محافظ وحقائب سفر وأدوية ونظارات، أي كل ما يحتاجه المرء لمزاولة حياة يومية. كل هذه الأشياء التي اعثر عليها يجب إخراجها أيضاً. فهي ملك هؤلاء الضحايا ويجب أن تلازمهم، لأنها ستعاد في الحالة المثلى لعائلات المتوفين ثانية."

دعمت السلطات الكردية، بالأخص، عمل سينه ستويكه منذ البداية. وكان البحث عن ممولين داعمين أكثر صعوبة، وشكل دعم الكوريين الجنوبيين أول اختراق لهذه الصعوبات. بعد ذلك عملت ستويكه لصالح منظمة ICMP ، وهي منظمة ركزّت جهودها على المفقودين في حرب البوسنة إلى ذلك الحين. ومع مرور الوقت قبلت القوات الأمريكية أيضاً بالأخصائية الألمانية.

الغاية تبرر الوسيلة

وترى ستويكه أنّ الحرب كانت إجمالاً مبرّرة:
"أعتبر أن المجادلة حول الظروف التي ساقت إلى هذه الحرب ممكنة. وأرى أن نتيجة الحرب صحيحة بإسقاطها صدام حسين، فالغاية تبرر الوسيلة على نحو ما".

تسافر ستويكه اليوم إلى العراق على الرغم من معاودة ازدياد موجة الإرهاب قبيل الإستفتاء على الدستور. تسافر إلى الشمال الأكثر أمناً نسبياً. فهل تستهين بالخطر، وهل تبالغ في اعتدادها بنفسها؟

سينه ستويكه تجيب باقتضاب: أنا أحب عملي وأحب هذا البلد: "أكن الكثير من الحب لهذا البلد، وإلا لما كنت قد فعلت ما فعلت، وأنا أعلم بأن الناس يكنون لي بمشاعر مماثلة. أعلم أن الناس يقدّرون عملي ويريدون أن استمر به. أجل، أنا على يقين من ذلك".

بقلم رالف بورشارد
ترجمة يوسف حجازي
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
حقوق طبع النسخة الألمانية دويتشه فيلله

قنطرة

تجربة ديموقراطية ناجحة
حتى قبل ظهور النتائج الرسمية للاستفتاء على مسودة الدستور، فمن الواضح أن الطريق الآن أصبح مفتوحا أمام انتخابات برلمانية دستورية في العراق، حسب رأي المعّلق

النظام الفيدرالي في العالم العربي
هناك إجماع شبه كامل في العالم العربي أن الفيدرالية مرادفة للانشقاق وتجزئة الدولة، والذي ظهر جليا في النقاشات حول الدستور العراقي. ولكن من الممكن أن يشكل هذا النموذج بالنسبة لجميع الدول العربية أداة هامة للقيام بإصلاحيات ضرورية، حسب رأي عارف حجاج