رهان المتغيرات الإقليمية وإملاءات الواقع

شهدت العلاقات بين سوريا ولبنان تحسنًا كبيرًا بعد مرور خمسة أعوام على الاعتداء الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري؛ حيث عاد السفير السوري إلى بيروت واللبناني إلى دمشق وكذلك تم تبادل أولى الزيارات الرمزية بين الطرفين. بيرغيت كاسبر من بيروت تلقي الضوء على تطبيع العلاقات بين سوريا ولبنان.

ضريح الحريري، الصورة: كاسبر
بعد خمسة أعوام من اغتيال رفيق الحريري ما يزال ضريحه مزارًا يفد إليه الكثيرون

​​ في يوم عيد الحب في عام 2005 وفي كلِّ مكان في بيروت، سُمع دوي انفجار هائل لسيارة مفخَّخة. ونتيجة ذلك الانفجار قُتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، كما تحطّم زجاج النوافذ وتصاعدت سحب الدخان الأسود في سماء ذلك اليوم الصافي من شهر شباط/فبراير - ذلك اليوم الذي كان من المنتظر أن يؤدَّي إلى تغيير لبنان، ولكنه لم يغيِّر الوضع في لبنان مثلما اعتقد الكثيرون. "اعتقدنا حينها أنَّ هذا سيكون بداية للبنان جديد، ونهاية للاغتيالات السياسية"، مثلما يقول الكاتب اللبناني، ميشائيل يونغ مؤلِّف كتاب عن فترة ما بعد الحريري. ولكن لم تكن الحال كذلك، فسلسلة الاغتيالات لم تتوقَّف، كما أنَّ لبنان عاش محنة سياسية داخلية استمرت طيلة عام. والآن فقط يعود الاستقرار قليلاً إلى لبنان.

مسؤولية سوريا؟

وبعد اغتيال رفيق الحريري حمَّل الكثيرون من اللبنانيين القيادة السورية مسؤولية الضلوع في هذا الاغتيال. ولكن دمشق كانت وما تزال ترفض هذا الاتِّهام. وفي لبنان انطلقت حركة احتجاج شعبية كانت تدعو إلى "خروج السوريين من لبنان"، وأصبحت تعرف فيما بعد باسم "ثورة الأرز".

وفي شهر نيسان/أبريل من عام 2005 تم وبدعم كبير من الغرب إجبار سوريا على انسحاب مهين من لبنان بعد نحو ثلاثين عامًا من وجودها في بلاد الأرز. وفي هذه الأثناء فرض المجتمع الدولي عزلاً منهجيًا على سوريا وضمن هذا السياق شكَّلت الأمم المتَّحدة لجنة تحقيق لتقصي الحقائق في حادث اغتيال الحريري، وثم تحوَّلت هذه اللجنة إلى محكمة خاصة مقرها في لاهاي.

تحقيقات ضعيفة

متظاهرون في بيروت، الصورة: ا.ب
"في شهر نيسان/أبريل من عام 2005 تم وبدعم كبير من الغرب إجبار سوريا على انسحاب مهين من لبنان بعد نحو ثلاثين عامًا من وجودها في بلاد الأرز"

​​

ولكن بعد مرور خمسة أعوام على اغتيال الحريري لم تتمكَّن هذه المحكمة الخاصة من تحديد أسماء المشتبه فيهم في قتل الحرير أو القبض على أي منهم، ولذلك ليس من المتوقَّع اقتراب موعد البت في هذه القضية. وميشائيل يونغ يستنتج من ذلك أنَّه لا توجد لدى المحكمة أدلة كافية تدين سوريا. ويقول يونغ منتقدًا: "لا أقول ذلك لأنَّني أعتقد أنَّ دمشق بريئة، بل على العكس؛ إذ لم يكن يتم إجراء بعض التحقيقات على الجانب السوري بشكل مناسب وكافٍ". ولكن يونغ لا يحدِّد إن كان ذلك بسبب عدم الكفاءة أم لأسباب سياسية. والآن يخشى بعض اللبنانيين من أنَّ هذه المحكمة يمكن أن تصبح ببطء طي النسيان.

نهاية العزلة المفروضة على دمشق

ولكن في الحقيقة لقد تغيَّر المناخ السياسي في المنطقة. ويقول يونغ مؤكِّدًا أنَّ السياسة كانت تلعب منذ البداية دورًا كبيرًا في عمل المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري، ويضيف قائلاً: "لا يوجد اليوم على المستوى الدولي تأييد كبير لإدانة سوريا أو إدانة أي متَّهم آخر. وأنا أعتقد أنَّ المحكمة الخاصة باغتيال الحريري صارت تزعج الكثير من الدول أكثر من أي شيء آخر". فقد تخلى الأمريكيون وكذلك الفرنسيون عن سياسة عزل سوريا، وذلك لأنَّهم أدركوا أنَّه لا يمكنهم من دون تعاون دمشق تغيير الكثير في المنطقة. وكذلك بدأ اللبنانيون بعد عدة أعوام من التوتّر الشديد بتطبيع علاقاتهم مع سوريا.

تبادل السفراء

بشار الأسد، الصورة: د.ب.ا
العلاقات السورية اللبنانية تخضع لعدد من المتغيرات الدولية والإقليمية

​​ وفي البدء تم في العام الماضي تبادل السفراء بين دمشق وبيروت. وقبل فترة غير بعيدة قام أيضًا رئيس الوزراء اللبناني الجديد ونجل رفيق الحريري، سعد الحريري، بزيارة رمزية للرئيس السوري، بشار الأسد. وفي هذا الصدد يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، كريم مقدسي أنَّ هذا التطوّر أصبح أمرًا ضروريًا لا مفر منه، وذلك بعد أن اتَّفقت سوريا والمملكة العربية السعودية على توطيد الاستقرار في لبنان.

ويقول كريم مقدسي إنَّ "السياسيين اللبنانيين سوف يبقون يميلون دائمًا حسب الأهواء السورية والسعودية"، سواء كانوا يرغبون أو لا يرغبون. ويضيف مقدسي أنَّ السوريين والسعوديين يستفيدون من تحسّن العلاقات بين سوريا ولبنان، إذا التزم البلدان بالقواعد الدبلوماسية. إذ إنَّ دمشق لا تريد أن تخسر لبنان وحزب الله كورقة تساوم بها في المفاوضات مع إسرائيل والغرب. وفي المقابل تعتمد بيروت على حدودها البرية الوحيدة المفتوحة فقط مع سوريا، وذلك لأنَّ لبنان ما تزال رسميًا في حالة حرب مع إسرائيل.

التسوية تحدِّد موازين القوى

ولذلك أيضًا لا يريد النائب اللبناني، مروان حمادة الذي نجا من محاولة اغتيال تعرَّض لها شخصيًا في عام 2004، الحديث عن عودة السوريين إلى لبنان من باب خلفي. ويقول حمادة: "في الحقيقة لم يختف السوريون قطّ من الحياة السياسية اللبنانية. وعلى الرغم من أنَّهم سحبوا قوَّاتهم، لكن لقد كان لهم تأثير دائم في لبنان من خلال حلفائهم، خاصة منذ أن صارت الأقلية الموالية لسوريا والتي يقودها حزب الله تتمتَّع بحقّ النقض في الحكومة اللبنانية". وحزب الله صار يتمتَّع بحق النقض منذ شهر أيَّار/مايو 2008، وذلك بعد أن تم التوصّل في اتِّفاق الدوحة إلى تسوية عملية استيلاء مسلحي حزب الله لفترة قصيرة على منطقة بيروت الغربية.

وهذه التسوية حدِّدت من جديد موازين القوى في بلاد الأرز، بالإضافة إلى أنَّها ما تزال تشكِّل حتى يومنا هذا الأساس الذي تقوم عليه حكومة سعد الحريري التي تشارك فيها جميع الأطراف. والآن يحاول رئيس الوزراء اللبناني الشاب التحاور بين كلِّ الجبهات الموجودة في المنطقة، من أجل تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار في لبنان. ولهذا السبب قبل أيضًا دعوة رسمية لزيارة طهران - ولكن حتى الآن لم يتم تحديد موعد هذه الزيارة.

بيرغيت كاسبر
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2010

قنطرة

البدائل اللبنانية:
لعبة في أيادي الخارج
يبقى غالبية اللبنانيين على أمل بأن يروا بلدهم ناعماً بالسلام، بعيداً عن الانعزال والعسكرة. ولكن الواقع يقول: إن المصالح العربية والغربية سيكون لها اليد الكبرى في تشكيل لبنان المستقبل. تحليل بقلم مايكل يونغ.

تاريخ لبنان الحديث
"تاريخ لكل اللبنانيين"
اشتُهر لبنان بـ"سويسرا الشرق الأوسط"، لكنه ظل ساحةً دائمة للحروب بالنيابة. غير أن قلائل – حتى من بين اللبنانين أنفسهم – من يعرف حقيقة هذا البلد الغني بالتراث والحضارة. الباحث فواز طرابلسي يعيد كتابة تاريخ لبنان المعاصر بشكل يتجاوز حدود الطائفية. منى سركيس حاورت طرابلسي خلال عرضه لكتابه الجديد.

صراع على السلطة
لا يمكن حكم لبنان بدون حزب الله
نفذت المعارضة اللبنانية، بقيادة حزب الله، إضرابا مفتوحا ليوم واحد في لبنان أسفر عن شلل شبه تام في معظم المرافق. وقد أثبت حزب الله، الذي يطالب باستقالة حكومة فؤاد السنيورة، أنه قوة أساسية في لبنان لا يمكن تجاهلها. تعليق راينر سوليش.