المدينة القديمة بين مطامع رؤوس الأموال ومصالح الأهالي

بدأ المسؤولون في محافظة دمشق بتنفيذ مشروع مثير للجدل يهدف إلى هدم أبنية قديمة واقعة خارج السور الروماني للمدينة من أجل شق طريق عريض وإقامة أبنية تجارية حديثة. تقرير من دمشق بقلم رزان زيتونة

التكية السليمانية في دمشق القديمة، الصورة: لاريسا بندر
التكية السليمانية في دمشق القديمة

​​

"دمشق القديمة"، هي ما تبقى من صلة وصل بين ماضي وحاضر هذه المدينة. فهي على خلاف الآثار والأوابد المنتشرة في مختلف أنحاء سوريا، مدينة تعج بالحياة. حيث لا يزال البيت الدمشقي القديم مأهولا يتابع ما لم ينقطع من تاريخ وذكرى. ولا تزال الحارات الدمشقية تنبض روحا على الرغم من كل ما لحق بها على مر الزمن.

فقد صمدت المدينة القديمة المدرجة على لائحة التراث العالمي، أمام إهمال طويل ومحاولات طارئة وغير مدروسة "للتحديث"، إلى أن جاء الوقت لمواجهة التحدي الأصعب المتمثل في "مشروع شارع الملك فيصل".

تعددت الأسباب التي ذكرت من قبل محافظة دمشق من أجل تنفيذ هذا المشروع، فحينا يكون الهدف توسيع الشارع الذي يبلغ طوله 1400متر، وحل مشكلة الاختناقات المرورية في المنطقة، وحينا آخر يكون تجميل المدينة وتهيئتها كعاصمة للثقافة العربية عام 2008.

مشروع شارع الملك فيصل

يعتمد المشروع أساسا على مخطط المهندس المعماري الفرنسي إيكوشار في العام 1968 الذي وضع مخططا لمدينة دمشق، رأى فيه أن ما يستحق الحماية من المدينة القديمة، هو فقط المساحة الممتدة داخل السور الروماني، مع تجاهل المعالم التاريخية للمدينة خارج السور، والتي توسعت ونمت في عهود المماليك والسلاجقة والأيوبيين والعثمانيين.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، ذهب هذا المخطط إلى إزالة "سوق ساروجة" الذي يعتبر امتدادا للمدينة القديمة خارج السور، واستبداله بمنطقة تجارية متعددة الطوابق، وكذلك فعل بالنسبة لأحياء أخرى عديدة خارج السور.

ويقتضي تنفيذ مشروع شارع الملك فيصل إخلاء وهدم منطقة سوق الهال القديم وحتى جامع المعلق قبل سوق النحاسين وجزء من الطريق الذي يستمر من منطقة جامع المعلق حتى ساحة باب توما.

ومن المقرر شق طريق عريض "أتوستراد" في المناطق المذكورة وإقامة بناء حديث وطابقي على كتف المدينة القديمة وعلى مسافة لا تزيد عن سبعين مترا عن سورها.

اهتمام منظمة اليونسكو

بدأ تنفيذ هذا المخطط العام الماضي مع هدم السوق العتيق وميتم سيد قريش( العائد للعهد المملوكي) وهو مستمر في الوقت الحالي حيث يهدد بإزالة عدد من أسواق دمشق القديمة العائدة للعهد المملوكي كسوق المناخلية وسوق العمارة البرانية (حي كبير شمال دمشق القديمة، داخل السور "عمارة جوانية" وخارجه "عمارة برانية").

وأكدت المحافظة على أنها بصدد إقامة شريط يصل المدينة القديمة بالحديثة لكشف ثلاثة أبواب من أبواب دمشق السبعة، "مع الحفاظ على كل ما هو أثري وإزالة كل ما هو عتيق"، وعلى أن سوق المناخلية هو سوق غير أثري! ما يبرر هدمه.

​​في هذا الإطار، وفي رسالة وجهها مدير مركز التراث العالمي في اليونسكو السيد فرانسيسكو باندارين إلى السيد وزير الثقافة السوري، يجري التأكيد على أن "حماية تراث مدينة دمشق لا يحدد بالمدينة التي تقع خارج السور لكنه يمتد إلى المناطق خارجه، و أن مشروع الطريق خارج السور لا يلغي أبدا التأثير الضار على المدينة القديمة وقيمتها كتراث". مع الإشارة في نهاية الرسالة إلى أن السيد باندارين بصدد تقديم تقرير بهذا الوضع إلى البلدان الأعضاء في لجنة التراث العالمي التي ستجتمع في حزيران القادم.

إن اهتمام اليونسكو بالموضوع هو عامل أساسي في الآمال المعقودة من أجل إنقاذ المدينة القديمة. لكن يخشى أن الوقت يمر بسرعة وأن بطء الإجراءات وطابعها الأدبي قد يخففان من تلك الآمال، خاصة وأن مصادر عديدة بما فيها الصحافة الرسمية رددت مرارا أن ما وراء هذا المخطط هو أكثر بكثير من مجرد مشروع خدمي تجميلي للمدينة، مؤكدة بأن رؤوس أموال خليجية ضخمة بالاشتراك مع نظيرتها السورية، بصدد إقامة مشاريع تجارية كبيرة في هذه المنطقة.

ونظرا لاجتماع رأس المال مع النفوذ، يغدو من الصعب الوقوف في وجه هذا المشروع الذي سيترتب عليه عزل المدينة القديمة عن محيطها الاجتماعي والثقافي فضلا عن الأضرار التي ستلحق بها وبقيمتها الأثرية والتاريخية من جراء أعمال الهدم والبناء والأتوستراد المزمع فتحه على ضفافها.

كما سيؤثر المشروع سلبيا على أهالي المنطقة، الذين سيضطرون إلى إخلاء بيوتهم ومحالهم التجارية وإلى الانتقال خارج دمشق، حيث أن التعويضات الممنوحة لهم لا تكفي لشراء بدائل ضمن المدينة، فضلا عن أن التعويضات مخصصة فقط للمالكين، أما الشاغلين فلن يتم تعويضهم. أو كما قيل لتجار سوق المناخلية، سيتم إعطائهم أرضا غير صالحة للبناء في ريف دمشق (المعضمية)، وهو ما يعني الدفع بهؤلاء إلى سوق البطالة والتسبب بكوارث اقتصادية واجتماعية لمئات العائلات.

وتجدر الإشارة بأنه لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد العائلات وأصحاب المحلات التي سيجري – أو جرى بالنسبة لبعضها- ترحيلها، ويقدر شاغلو شارع الملك فيصل العدد بحوالي خمسة آلاف عائلة كما جاء في رسالة أرسلوها إلى رئيس الجمهورية للاعتراض على المشروع وطلب التدخل من أجل وقفه.

حملة احتجاجية من طرف الأهالي

هذا المصير دفع بأهالي المنطقة إلى تحرك حثيث باتجاه الإعلام والمؤسسات الرسمية والمسؤولين. وقد تركزت هذه التحركات بداية على المظالم الشخصية التي ستلحق بهم جراء تنفيذ المشروع، والمطالبة بمنحهم التعويضات العادلة في حال تم التنفيذ، لكنها أخذت شيئا فشيئا بالتحول إلى حراك احتجاجي ضد المشروع برمته، باعتباره مهددا لتاريخية المدينة القديمة وقيمتها الأثرية.

وبدأ التركيز من قبلهم في العديد من الرسائل والعرائض الموجهة إلى السلطات الرسمية، على أن مطالبهم الأساسية ليست التعويض المادي، وإنما الحفاظ على المدينة القديمة. مع استعدادهم للمشاركة في تحمل تكاليف أية أعمال تجميل وترميم للمنطقة. وهكذا تكاملت الأنشطة الاحتجاجية بين شاغلي شارع الملك فيصل وبين أوساط المثقفين والمهتمين بهذه القضية.

مجمل هذه التحركات والاهتمام البالغ من قبل اليونسكو بالقضية، دفع بالجهات المسؤولة في سوريا إلى الموافقة أخيرا على حضور وفد من اليونسكو لمعاينة الوضع على أرض الواقع واقتراح حلول بديلة للمشروع. من المفترض أن يصل الوفد بداية الشهر القادم "أيار 2007"، على أن يتم وقف تنفيذ المشروع إلى حين انتهاء الوفد من مهمته وفقا لما جاء في الصحف الرسمية.

بقلم رزان زيتونة
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

ماضي عريق، وحاضر بائس!
"الإسلام لا يعني الإرهاب" - من هذا المنطلق اعتمدت منظَّمة المؤتمر الإسلامي قرارًا يقضي باختيار كلَّ عام ثلاث عواصم ثقافية في العالم الإسلامي؛ حيث يفترض لهذه العواصم أن تعرض صورًا إيجابية عن الحضارة الإسلامية. منى نجار زارت حلب، عاصمة الثقافة الإسلامية العربية وأعدَّت هذا التقرير

الوكالة الألمانية للتعاون الفني تدعم ترميم وتطوير المدينة القديمة
تعمل الوكالة الألمانية للتعاون الفني GTZ، منذ مدة طويلة، على مشروع "حماية وإحياء مدينة حلب القديمة"، ليس فقط بهدف المحافظة عليها بل من أجل فتح آفاق مستقبلية أمامها. يوسف حجازي تحدث مع المدير الألماني للمشروع في حلب ماينولف سبيكرمان