زمن التحول رغم الصور المشوهة

يرى لؤي المدهون في تعليقه الآتي أن موجة الاستياء التي استغلها المحرضون في العالم الإسلامي بسبب جريمة القتل الوحشية لمروة الشربيني لا ينبغي أن تحجب النظر عن التحول الإيجابي في العلاقة بين مؤسسات الدولة الألمانية والمسلمين الألمان في السنوات الأخيرة.

صورة مروة الشربيني، الصورة: د.ب.ا
"عدم الاكتراث النسبي لدى وسائل الإعلام المحلية وغياب ردود فعل كبار رجال السياسة الألمان عقب جريمة قتل مروة الشربيني أدى إلى زيادة حدة موجة الاستياء عند المسلمين البسطاء"

​​ من الأمور المعتادة لنا جميعا أن تحدث على فترات منتظمة اضطرابات في العلاقات - الصعبة على كل الأحوال - بين "الغرب" و"العالم الإسلامي". وبعد أي حدث مرعب يعقبه في العادة سوء استغلال مبرمج لأغراض دعائية تكون في الغالب على شكل تسييس للواقعة مع مزيد من الحملات الهجومية والتعميمات غير المشروعة.
ولا عجب في أن يتخذ الرئيس الإيراني أحمدي نجاد - المنبوذ والمثير للجدل بسبب إنكاره للهولوكوست - جريمة القتل الوحشية لمروة الشربيني مناسبة لمطالبة الأمم المتحدة بفرض عقوبات ضد ألمانيا.

إن حملات أحمدي نجاد الهجومية ضد الغرب تعتبر من الأمور المألوفة لدى الإعلام - المتشدد والمخلص للحكومة - في الجمهورية الإسلامية. بيد أن تصريحات أحمدي نجاد ليست فقط مشينة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في حكمه المفتقد إلى السمعة الطيبة، بل هي أيضا محاولة واضحة لصرف الانتباه عن القمع الوحشي للاحتجاجات السلمية عقب إعادة انتخابه المشكوك فيه. مع العلم بأن السيد أحمدي نجاد وأنصاره يقيمون في بيوت من زجاج بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

قلة الإحساس المرهف والاستجابة الذاتية

لقد أدى عدم الاكتراث النسبي لدى وسائل الإعلام الألمانية- التي لم تُعِر للأسف اهتماما لعملية القتل الوحشية التي عولجت في قسم "منوعات" وأبعادها المعادية للإسلام – و"ردود الفعل القليلة" (شتيفان يواخيم كرامر، الأمين العام للمجلس الأعلى لليهود في ألمانيا) من قِبل كبار رجال السياسة الألمان عقب الجريمة إلى حدوث بلبلة وإلى زيادة حدة موجة الاستياء عند المسلمين البسطاء.

يرى لؤي المدهون أن مثيري الفتن والمحرضين في طهران والقاهرة استطاعوا بسهولة أن يستغلوا مأساة مروة الشربيني كأداة لتحقيق أهدافهم الخاصة

​​ ليس هذا فقط، فهذا التقصير سهّل على مثيري الفتن والمحرضين في طهران والقاهرة أن يستغلوا مأساة مروة الشربيني كأداة لتحقيق أهدافهم الخاصة. وهكذا أُطلق على مروة وبسرعة لقب "شهيدة الحجاب في أوروبا". وقامت بعض وسائل الإعلام العربية الواسعة الانتشار بحملة أحكام مسبقة موجهة ضد ألمانيا توحي بجو من الخوف والاضطهاد داخل ألمانيا، وهو نوع من تخويف المسلمين كما لو كان أكسل دبليو – المهاجر الروسي من أصول ألمانية العاطل عن العمل الذي قضى معظم حياته في "بيرم" بمنطقة الأورال المشهورة بالاعتداءات على الأجانب والمسلمين – قد قام بهذا العمل بتكليف من الحكومة الألمانية.

في هذه الأثناء أعربت الحكومة الألمانية عن استنكارها لهذا الفعل الشنيع وصرحت أنه لا مكان في ألمانيا لكراهية الأجانب ودارت رحى الجدل حول ظاهرة العداء ضد الإسلام في وسائل الإعلام الألمانية الرصينة.

هل أصبح كل شيء على ما يُرام؟ للأسف لا، لأن الصور العدائية المثيرة للبلبلة والبحث عن شهداء لا يسمحان بالنظر إلى الأمور بنظرة تفريقية موضوعية.

تعميم غير مشروع

مما لا شك فيه أن عملية قتل مروة الشربيني تعتبر عداء للإسلام حسب تصريحات الجاني الصريحة. وعلى الرغم من ذلك يبقى هذا الحدث حالة فردية. كما لا ينبغي تجاهل حقيقة أن الجدل الإعلامي يُرثى له على تخلفه القوي، فـ"نقّاد الإسلام" الذين يحظون بتأثير إعلامي يجعلون "الإسلام" مسئولا عن شقاء البشرية كلها وعادة ما يضعون المسلمين كلهم محل اتهام عام دون أن يفصلوا في الغالب بدقة بين الإسلام والإسلاموية، ودون أن يفرقوا بين النقد البنّاء لسوء الأحوال في السياق الإسلامي وإثارة الفتن المفتعلة.

مؤتمر الإسلام، الصورة: د.ب.ا
"مؤتمر الإسلام جعل الاعتراف بالمسلمين يزداد بشكل ملحوظ بين الجمهور"

​​

لكن، لا يمكن لقلة الإحساس المرهف ولا التغطية الإعلامية المتعاطفة ولا التصريحات السياسية التي جاءت متأخرة أن تسوّغ النقد اللاذع والتعميمات غير المشروعة والنقد الموجه إلى نظام حياة المسلمين هنا في ألمانيا، مثل ما قام به الأديب المصري المشهور وناشر مجلة "أخبار الأدب" جمال الغيطاني قبل أسبوع مضى.

لم يخف الغيطاني في مقالة نُشرت في مجلته الإدعاء الكاذب الشائع بوجود "نازيين جُدد في ألمانيا ضحاياهم من المسلمين"، وذكر هذه الحادثة بصورة عرَضية ليوجّه لمدير تحرير المجلة السياسية الثقافية المشهورة "فكر وفن" – التي تهتم منذ أربعين عاما بالحوار الثقافي بين الغرب والعالم الإسلامي – المآخذ التي لا تُطاق.
وسواء أكانت دوافع الغيطاني نابعة من الإحساس بإهانات شخصية أم مجرد استفزازات، فهي على كل الأحوال غير معقولة ولا أساس لها من الصحة.

تحول إيجابي في التعامل مع الإسلام

هناك وجه مأساوي آخر للجدل يظهر في موجة الاستياء المستخدمة في العالم الإسلامي كأداة وأيضا في الجدل المتأجج حول العداء الألماني الموهوم للإسلام الذي يهدد بحجب النظرة عن التحول الإيجابي في العلاقة بين مؤسسات الدولة الألمانية والمسلمين الألمان. ذلك لأنه بفضل "مؤتمر الإسلام" الذي ابتدره وزير الداخلية تم لأول مرة وضع إطار لحوار مؤسساتي بين ممثلي الحكومة الألمانية وممثلي الجالية الإسلامية. هذا الحوار المفتوح بين الدولة ومسلميها ساعد على وضع أسس جديدة لتقدير الآخر والتعاون المتبادل.

ولأول مرة في تاريخ ألمانيا المعاصر يعترف وزير داخلية ألماني أن الإسلام جزء من ألمانيا. وعلى الرغم من انعدام مؤهلات الاعتراف الشكلي بالمسلمين كـ"طائفة دينية معترف بها" كما ينص الدستور فإن شعور المسلمين بأنهم أصبح معترف بهم بين الجمهور ازداد بشكل ملحوظ، وهذا ما بيّنته ردود الفعل حول "واقعة الكاتب الألماني من أصول إيرانية نافيد كرماني".

إن من مصلحة المسلمين الألمان إذن أن يتفقوا فيما بينهم على أن يجمعوا على تمثيل موحد لهم حتى ينجحوا في تأطير الإسلام في شكل مؤسساتي في ألمانيا بدلا من التركيز على المناقشات الصورية على غرار درس السباحة للبنات. وفي ضوء ذلك ينبغي للمسلمين الألمان التركيز على بناء مستقبلهم في وطنهم الجديد، ألمانيا.

لؤي المدهون
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

تعليق حول أبعاد جريمة قتل مروة الشربيني:
تضامناً مع جميع المسلمين... الاندماج لا يعني ذوبان الهوية
يرى الأمين العام للمجلس المركزي لليهود في ألمانيا شتيفان كرامر أن جريمة قتل المواطنة المصرية مروة الشربيني جاءت نتيجة تحريض نشر روح الحقد والكراهية ضد المسلمين في ألمانيا بدءا من أطراف المجتمع المتطرفة حتى وسطه. غير أنه يدعو مسلمي ألمانيا إلى عدم التراخي في سعيهم لتبوّء مكانهم الصحيح في المجتمع الألماني.

جدل حول منح جائزة للكاتب الألماني من أصول إيرانية نافيد كرماني:
"التباهي بالفصل بين الدين والدولة ليس دقيقا كما نتصور"
يرى الباحث في الشؤون الإسلامية، شتيفان فايدنر، في تعليقه الآتي أن سحب جائزة حوار الثقافات من نافيد كرماني لأنه انتقد في مقالة له لوحة فنية تمثل نظرية الصلب اللاهوتية يثبت أن منتقدي كرماني هم الذين تنقصهم كفاءة الحوار.

"المؤتمر الإسلامي الألماني" الثالث:
ضرورة المحافظة على تعددية المسلمين
أظهر "المؤتمر الإسلامي الألماني" الثالث من جديد أنَّ الجدال الدائر حول إضفاء الطابع المؤسساتي على الإسلام ودمجه في ألمانيا في شكل منظمة مركزية واحدة لا يطرح فقط أسئلة حول قدرة هذه المنظمة المطلوبة سياسيًا على تمثيل الإسلام والمسلمين في ألمانيا، بل يحمل مخاطر توظيف الإسلام سياسيا. تعليق لؤي المدهون.