إسرائيل وفلسطين.... الانتقال من السياسة إلى الشعب

تناقش رونيت أفني، مؤسِّسة Just Vision ومديرتها التنفيذية أن خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخير الذي ركّز على الشرق الأوسط لم يكن كاملاً، وأظهر لنا الإسرائيليين والفلسطينيين وقد اختفوا وراء الحديث عن المعاهدات والحكومات.



تجاوباً مع المدّ المتصاعد عبر العالم العربي، وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل مناسب خطابه الأخير يوم 19 أيار/مايو، وجّه التركيز بعيداً عن السياسيين ونحو الشعب، من "السلطة الفجّة للدكتاتور" إلى "كرامة البائع المتجوّل". كان جدله مقنعاً، مكّنه من إيصال الرسالة بأن للولايات المتحدة "مصلحة ليس فقط في استقرار الأمم، وإنما كذلك في قدرة الأفراد على تقرير مصيرهم."

ولكن عندما تعلّق الأمر بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تراجع أوباما بشكل مثير للاهتمام إلى متاهات اللغة حول الحكومات والمعاهدات بدلاً من الحريات الفردية والكرامة الإنسانية. وفي الوقت الذي اعترف فيه أن السلام لا يمكن صنعه في الشرق الأوسط الذي يزداد ديمقراطية من قبل القادة وحدهم، فشل أوباما في إعطاء الاعتراف ذاته الذي أعطاه للمتظاهرين الذي طالبوا بالحرية عبر العالم العربي، إلى آلاف الفلسطينيين وعشرات الإسرائيليين الذين يفعلون الشيء نفسه على أسس يومية في أماكن مثل النبي صالح والولجة وبلعين والشيخ جرّاح وسلوان. كان حذفاً مثيراً للدهشة والاستغراب في ضوء مناشدة أوباما في خطابه في القاهرة عام 2009 للفلسطينيين بتبنّي اللاعنف، وكان مثبطاً للهمّة إذا أخذنا بالاعتبار إلحاح اللحظة.

 

اعتقالات للناشطين

الصورة د ب ا
"عندما تعلّق الأمر بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تراجع أوباما بشكل مثير للاهتمام إلى متاهات اللغة حول الحكومات والمعاهدات بدلاً من الحريات الفردية والكرامة الإنسانية."

​​

قبل بضعة أسابيع فقط، تم اعتقال باسم وناجي تميمي، وهما قائدان لحركة اللاعنف في قرية النبي صالح الفلسطينية، والتي تناضل دون سلاح لمنع التعدّي التدريجي للمستوطنات الإسرائيلية القريبة على أراضي القرية ومصادر مياهها. وتأتي هذه الاعتقالات كجزء من هجمة أوسع يطبّقها الجيش الإسرائيلي ضد المحتجّين الفلسطينيين والدوليين اللاعنفيين. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي قرر، في مواجهة احتمالات حركة غير مسلّحة متنامية ضد الاحتلال أن يقبع هادئاً ويردع المتظاهرين من خلال عملية تخويف وقهر واستنزاف.

ويشكّل ذلك أخباراً سيئة لأي شخص منا يثمّن الحقوق العالمية التي بسطها أوباما في خطابه. وهو أمر مرعب بشكل خاص، إذا أخذنا بالاعتبار الجو المشحون بشكل كبير على الأرض. وكما رأينا في كافة أرجاء المنطقة، عندما يفشل العنف، يتبعه سفك الدماء. لا يمكن لهؤلاء منا الذين يأملون بنهاية سلمية للنزاع والاحتلال، والذين يعارضون العودة إلى عنف السنوات الأخيرة، أن يتحمّلوا تجاهل أصوات هؤلاء في أماكن مثل بدرس وبلعين، الذين يؤكدون على أن أكثر الردود فاعلية وشجاعة على الظلم والقهر ليس هو التفجيرات الانتحارية أو الصواريخ، وإنما الاحتجاجات غير المسلّحة والتنظيم الجماعي.

رسائل أوباما

الصورة د ب ا
"تجاوباً مع المدّ المتصاعد عبر العالم العربي، وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل مناسب خطابه الأخير يوم 19 أيار/مايو، وجّه التركيز بعيداً عن السياسيين ونحو الشعب، من"السلطة الفجّة للدكتاتور إلى كرامة البائع المتجوّل"

​​

كان يمكن لأوباما، اعترافاً منه بشجاعة هؤلاء الفلسطينيين والإسرائيليين وتصميمهم، أن يرسل رسالة هامة من الدعم لهؤلاء الذين يؤمنون بأن السبيل اللاعنفي هو السبيل البنّاء إلى أقصى الحدود إلى الأمام، حتى في غياب مفاوضات حقيقية. بدلاً من ذلك، تواجَه حركة هشّة ومهدّدة بشكل متزايد بصمت رئيس أمريكي مستعد للضغط على الحلفاء العرب في زوايا غير مريحة. يبدو أن أوباما نفسه، الذي يقول لقيادة البحرين "لا يمكن أن يكون لديكم حوار حقيقي عندما يكون جزء من المعارضة السلمية في السجن"، ينظر إلى الناحية الثانية بينما يُقابَل المحتجّون الفلسطينيون والإسرائيليون وبشكل روتيني بالعنف، ويواجِهون الاعتقال، دون تهم ذات مصداقية أحياناً كثيرة.

إضافة إلى ذلك، تجمع هذه الاحتجاجات التي تقع في الضفة الغربية والقدس الشرقية أحياناً الإسرائيليين والفلسطينيين معاً، وتخلق روابط قوية حول قضية مشتركة من العدالة والسلام والكرامة. كان الرئيس على حقّ عندما أشار إلى إسرائيليين مثل يتسحاق فرانكنثال من دائرة الأهالي - منتدى الأسر، الذي ذُكر في أول فيلم لنا بعنوان "نقطة المجابهة Encounter Point"، وإلى فلسطينيين مثل الدكتور عز الدين أبو العيش، الذي ما فتئ يسعى للتسوية بدلاً من الثأر رغم خسارته المؤلمة والتي لا يمكن تصوّرها.

ويشكّل الإسرائيليون والفلسطينون الذين ينضمون معاً ويقومون بأعمال مباشرة لاعنفية ضد أعمال الظلم على الأرض عنصراً هاماً وحاسماً بشكل خاص ومساوٍ في هذا الوقت القابل للاشتعال. وبغض النظر عما إذا نجحوا، كما حصل في قرية بدرس، أو فشلوا، فإن الكفاح المشترك له وقع مثير للإنسانية دونما شك. ففي أماكن مثل حي الشيخ جرّاح في القدس الشرقية، الذي نركز عليه في فيلمنا الوثائقي المقبل، ينضم إسرائيليون من خلفيات تزداد في تنوعها السياسي والاجتماعي والديني إلى السكان الفلسطينيين في نضال مشترك من أجل العدالة.

تلك هي أنواع الشراكات على مستوى الجذور التي ستعطي معنى حقيقياً لاتفاقيات وُقّعت على الورق وستطوّر الثقة الضرورية لأية معاهدة سلام لتبقى. بدلاً من تجاهلها، يتوجب على الرئيس أن يضعها في المقدمة وفي الوسط في رؤياه لهذه المنطقة. وكما قالها ببلاغة كبيرة، "لا نستطيع الآن أن نتردّد في الوقوف بشكل واضح إلى جانب هؤلاء الذين يرتأون الحصول على حقوقهم، ونحن نعلم أن نجاحهم سوف يحقق عالماً أكثر سلاماً واستقراراً وعدالة." وينطبق هذا على جميع هؤلاء في المنطقة، الذي يستخدمون اللاعنف لتحقيق مستقبل أفضل، ولا يستحق الفلسطينيون والإسرائيليون بالتأكيد ما هو أقل من ذلك.

 

رونيت أفني

حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011

رونيت أفني هي مؤسِّسة منظمة Just Vision ومديرتها التنفيذية، وهي منظمة تبحث وتوثّق اللاعنف الفلسطيني والإسرائيلي وجهود بناء السلام. وقد قامت مؤخراً بإنتاج فيلم "بدرس" الحائز على جائزة عالمية