تأييد حكم ذاتي للمسلمين جنوب الفيليبين الكاثوليكية - إرساء للسلام بعد آلاف القتلى وعقود من المعارك

وافقت الغالبية في جنوب الفيليبين على إقامة حكم ذاتي أوسع للمسلمين في المنطقة، بحسب نتائج استفتاء يأمل كثر أن ترسي سلاما في جنوب البلاد الذي شهد معارك على مدى عقود أسفرت عن آلاف القتلى.

وتعطي النتائج التي أُعلنت الجمعة 25 / 01 / 2019 إشارة الانطلاق لعملية تخلّي "جبهة مورو الإسلامية للتحرير"، أكبر حركة تمرد في الفيليبين ذات الغالبية الكاثوليكية، عن التمرّد المسلّح وتحوّلها إلى حزب سياسي.

وقتل نحو 150 ألف شخص جراء حركة التمرد التي انطلقت في سبعينيات القرن الماضي للمطالبة بحكم ذاتي أو بالاستقلال في جزيرة مينداناو ذات الغالبية المسلمة.

وقال زعيم "جبهة مورو الإسلامية للتحرير" مراد ابراهيم لوكالة فرانس برس "نحن سعداء جدا بالتأييد الشعبي الجارف"، مضيفا "إنه فوز ساحق لا مثيل له".

وأيّد نحو 1,7 مليون مشارك في الاستفتاء "إقامة منطقة بانغسامورو ذات الحكم الذاتي"، بدلا من منطقة حكم ذاتي أقيمت بموجب اتفاق بين مانيلا و"جبهة مورو الوطنية للتحرير" المنافسة، فيما عارضها نحو 255 ألفا، بحسب النتائج الرسمية التي أصدرتها اللجنة الانتخابية.

ونظمت الفيلبين يوم الإثنين 21 / 01 / 2019 استفتاء في المناطق التي يغلب عليها المسلمون في الدولة الكاثوليكية لحسم الرأي في منح الحكم الذاتي لواحدة من أكثر مناطق جنوب شرق آسيا تعرضا للصراع.

ويمثل الاستفتاء ذروة عملية مضطربة لإحلال السلام بين جبهة تحرير مورو الإسلامية والحكومات المتعاقبة بهدف وضع حد للصراع الذي أسفر عن مقتل 120 ألفا على الأقل منذ سبعينيات القرن العشرين.

وتعيَّن على نحو 2.8 مليون ناخب في منطقتين في إقليم ميندانا وبأقصى جنوب الفلبين الإجابة على سؤال عما إذا كانوا يؤيدون تشريعا لإقامة منطقة تخضع للحكم الذاتي وتسمى بانجسامورو فيما يمثل توسيعا وتعميقا للقدر الحالي من الحكم الذي يرى كثيرون أنه غير فعال، بحسب تقرير لرويترز.

ما مدى أهمية الحكم الذاتي؟

المناطق التي يعيش فيها المسلمون في مينداناو من أكثر المناطق اضطرابا وتعرضا للإهمال إذ تفتقر للبنية التحتية والوظائف والمدارس. وتأمل السلطات أن تتيح الإدارة الذاتية للمنطقة مزيدا من السلطات والإرادة السياسية وزيادة الميزانية لمعالجة أوجه النقص وتوظيف أعداد أكبر في سلك الوظائف العامة وجذب المزيد من الاستثمارات لاسيما في الزراعة والتعدين.

وتظهر البيانات الحكومية أن أكثر من نصف الأسر في الإقليم تعيش في فقر بالمقارنة مع المتوسط العام على مستوى البلاد البالغ 21.6 في المئة.

وفي 2015-2016 سجل الإقليم أدنى مستوى لعدد الملتحقين بالمدارس وأعلى مستوى للتسرب منها. وبلغت نسبة الشباب في المدارس الثلث فقط مقارنة مع النسبة العامة البالغة 68 في المئة. وتقول جماعات حقوقية إن ما يتردد عن الإهمال والظلم ونقص التعليم وغياب الفرص يجعل المنطقة أرضا خصبة لتجنيد الناس لحساب المتشددين الذين استلهموا فكر تنظيم الدولة الإسلامية مثل حركة مقاتلي الحرية في بانجسامورو الإسلامية وجماعة أبو سياف المعروفة بالتفجيرات وضرب الأعناق والخطف والقرصنة.

 الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي
دعا الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي الجمعة (18 كانون الثاني/ يناير 2019) نحو ثلاثة ملايين ناخب في جنوبي البلاد إلى المصادقة على قانون ينشئ كياناً جديداً يتمتع بالحكم الذاتي سيكون من شأنه "تمثيل وفهم حقيقة" احتياجات المسلمين الذين يعيشون هناك.

ماذا سيحدث بعد الموافقة على خطة بانجسامورو؟

وكان من المتوقع أن تكون الموافقة على الخطة بأغلبية كاسحة. ويتم استفتاء على نطاق أصغر في السادس من فبراير / شباط 2019 لاستطلاع الآراء في بعض المناطق الأخرى عما إذا كانت توافق على الانضمام للكيان الجديد عقب إقامته.

وستعين الحكومة المركزية سلطة بانجسامورو الانتقالية التي ستحكم حتى تُجرى انتخابات في عام 2022 لاختيار مجلس تشريعي يضم 80 مقعدا سيتولى تعيين رئيس للوزراء. وتتمتع جبهة تحرير مورو الإسلامية بتأييد واسع النطاق ومن المتوقع أن تلعب الدور الرئيسي في تلك العملية.

وسيكون لإقليم بانجسامورو مجلسه التشريعي وسلطات تنفيذية ومالية غير أن الحكومة المركزية في مانيلا ستظل تسيطر على الدفاع والأمن والسياسة الخارجية والسياسة النقدية. وتؤدي الموافقة إلى تسليم ما يقدر بنحو 40 ألف قطعة سلاح في أيدي ثوار الجبهة والمدنيين.

ما هو أثر الحكم الذاتي على الأمن؟

المأمول أن يعمل الحكم الذاتي على معالجة أسباب عدم الاستقرار رغم أنه ليس من المتوقع أن يكون دواء شافيا بعد سنوات من السعي للانفصال والتمرد من جانب الإسلاميين والماويين وغياب القانون والصراع بين العشائر.

ويخضع إقليم مينداناو للأحكام العرفية منذ هاجم تحالف من متشددين محليين وأجانب يستلهمون فكر الدولة الإسلامية مدينة ماراوي في محاولة لإقامة دولة خلافة في مايو / أيار 2017.

واستغرق الجيش خمسة أشهر لاستعادة المدينة ودمر نصفها في تلك العملية. وثمة مخاوف أن يعيد من نجا من المتشددين وربما مقاتلون فارون من العراق وسوريا تجميع صفوفهم لشن هجوم آخر.

وتشير تفجيرات دامية العام الماضي 2018 في مركز تجاري بمدينة كوتاباتو ومهرجان في الهواء الطلق في سلطان قدرات وتفجير قنبلة قبل الآوان في شاحنة فان بمدينة باسيلان إلى أن عناصر ربما تحاول تخريب العملية السياسية.

ماذا لو كان انتهى الاستفتاء برفض الخطة؟

لو كان انتهى الاستفتاء برفض الخطة لساد الوضع السابق حتى الآن. ورغم استبعاد التصويت بالرفض فمن المحتمل أن ترفض الخطة بعض المناطق التي ستتم دعوتها للانضمام إلى منطقة

الحكم الذاتي المقترحة.

وتبين بعض استطلاعات الرأي إلى أن من تلك المناطق مدينة كوتاباتو التي يمثل سكانها مزيجا من المسلمين والمسيحيين ولم تؤيد فكرة الانضمام. وكوتاباتو هي المقر الأرجح لسلطة بانجسامورو الجديدة. وربما تحتاج السلطة للبحث عن مقر آخر.

هل يمثل الإقليم أولوية لدى الحكومة؟

تأييد حكم ذاتي للمسلمين جنوب الفيليبين الكاثوليكية - إرساء للسلام بعد آلاف القتلى وعقود من المعارك.
تأييد حكم ذاتي للمسلمين جنوب الفيليبين الكاثوليكية - إرساء للسلام بعد آلاف القتلى وعقود من المعارك.

لم يكن هذا هو الحال فيما سبق إلا أن هذه ربما تكون أفضل فرصة للتغيير في وجود الرئيس رودريجو دوتيرتي الذي أصبح أول رئيس للبلاد يزور مينداناو.

وفي ضوء عدم تنفيذ معظم وعود دوتيرتي في انتخابات 2016 سيمثل النجاح في انتقال الحكم إلى سلطة بانجسامورو إنجازا يحسب له. ورغم أن الرئيس السابق هو الذي تفاوض على اتفاق السلام فمن الممكن توقع تأييد قوي من جانب دوتيرتي.

ولا يخفي دوتيرتي عزمه على دعم إقليم مينداناو وكثيرا ما يبدي الفخر بتحويل مدينة دافاو من حالة من الفوضى إلى مركز تجاري مزدهر.

وقد شجع دوتيرتي المانحين على ضخ المساعدات في مينداناو ويبدو أن شعبيته لم تنل منها العثرات الأمنية التي أدت إلى معركة ماراوي.

وتربط دوتيرتي علاقات طيبة بقادة الانفصاليين وكثيرا ما يتحدث عن جدته الراحلة التي نشأت في منطقة بانجسامورو رغم أنه ليس مسلما وعن تجنيد المتشددين لبعض من تربطهم به صلة قرابة بعيدة.

ولأنه لم يتبق سوى ثلاث سنوات أمامه لتحقيق وعوده الطموح فمن المحتمل أن يكون إقليم مينداناو أفضل إنجازاته كرئيس للبلاد. أ ف ب / رويترز