تحليل: الإطاحة بالرئيس البشير من السلطة بعد 30 عاما من الحكم ليست إلا بداية التغيير في السودان

شهد  السودان تطورات سريعة متلاحقة خلال فترة وجيزة لا تتجاوز أربعة أشهر أسفرت عن نجاح الحركة الاحتجاجية، التى حملت سمات حركات مماثلة في المنطقة العربية، في الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير من السلطة، بعد ثلاثين عاما قضاها في سدة الحكم.

ولا شك أن التاريخ سوف يسجل يوم الحادي عشر من نيسان/إبريل 2019 باعتباره يوما تاريخيا فى حياة السودانيين، الذين استطاعوا بإصرارهم وقوة حجتهم "اقتلاع النظام " والإطاحة برأسه عمر البشير، الذي كان قرار حكومته فى كانون أول/ ديسمبر من العام الماضي 2018 بإلغاء الدعم عن الخبز والوقود القشة التى قصمت ظهر البعير.

فمنذ ذلك اليوم بدأت مظاهرات السودانيين، ولم تهدأ حتى الآن، فقد أدى هذا القرار إلى زيادة معاناتهم واستيائهم من تصرفات النظام، ويعتبر استمرار الاحتجاجات لأكثر من أربعة شهور، أمرا مختلفا عما حدث فى عامي 1964 و 1985 عندما استمرت الاحتجاجات لأسابيع قليلة فقط من أجل إنهاء  الحكم العسكري، كما أن هذه المرة شهدت مشاركة كبيرة من جانب النساء اللاتي مثلن ثلثي عدد المحتجين، وكان لهن ظهور بارز فى المظاهرات تجسد في آية صلاح، الشابة أيقونة الاحتجاجات التى لفتت بنشاطها المكثف أنظار العالم للسودان.

ورغم إعلان وزير الدفاع السوداني الفريق أول عوض بن عوف في بيان له عن تشكيل مجلس عسكرى انتقالي برئاسته يدير الحكم في البلاد لمدة عامين، بالإضافة إلى اتخاذه بعض الإجراءات الأخرى لتهدئة المحتجين، أصر المحتجون على موقفهم بضرورة إقصاء كل الوجوه القديمة المحسوبة على النظام، وتسليم السلطة لإدارة مدنية.

وفى ضوء هذا الرفض أعلن بن عوف بعد أقل من يومين استقالته من منصبه، وأعلن اختيار الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلفا له، كما أعلن إعفاء كمال عبد المعروف، من منصبه نائبا لرئيس المجلس. وقد قوبل تنحى بن عوف بفرحة عارمة بين المحتجين،لكن تجمع المهنيين السودانيين، وهو تجمع نقابي غير رسمي، وحلفاؤه في قوى الحرية والتغيير، أعلنوا رفضهم القاطع لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الجديد عبدالفتاح البرهان، واعتبار ما تم "مجرد استنساخ للوجوه". 

وأعلن التجمع في بيان له عن حزمة مطالب، أكد أنها لا تقبل المساومة أو التلاعب، بينها تنحي النظام ونقل السلطة لحكومة مدنية انتقالية فورا. وحول احتمالات الموقف فى السودان ذكر جود ديفيرمونت مدير برنامج أفريقيا فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن فى تقرير له أن الجيش يريد أن يقدم هذا الانتقال للسلطة على أنه أمر واقع، ولكنه فى حقيقة الأمر مجرد بداية.

 

 

{ما مدى قدرة المحتجين على  الصمود، وما دور الدول الرئيسية المجاورة للسودان ودول الخليج؟محللول يرون أن من المعروف أنه فى السيناريوهات التى لا يتفق فيها العسكريون والمحتجون على كيفية المضي قدما، تزداد فرص وقوع أعمال عنف وفوضى.}

 

 

وعلى خلاف الوضع فى زيمبابوى -حيث شعر المواطنون ببساطة بالارتياح لرؤية الإطاحة بالرئيس روبرت موجابي- أوضح تجمع المهنيين أنه لن يترك الشوارع حتى يترك العسكريون السلطة. وقال ديفيرمونت، الذي كان كبيرا للمحللين السياسيين لشؤون قضايا منطقة أفريقيا جنوبي الصحراء في وكالة المخابرات المركزية، إن هناك عدة عوامل سوف تقرر ما إذا كان الجيش سوف ينجح في "انقلابه الذى يمثل استمرارية". وهذه العوامل هي دعم الأجهزة الأمنية للتحول الجديد، وقدرة المحتجين على  الصمود، ودور الدول الرئيسية المجاورة للسودان والحلفاء من دول الخليج.

فبالنسبة للأجهزة الأمنية، إذا كان انضمام بعض أفرادها إلى المحتجين قد عجل بسقوط البشير، سوف يحدث نفس الشيء فى المرحلة القادمة من الفترة الانتقالية، لكن إذا قبل العسكريون، والشرطة، وقوات الدعم السريع والمخابرات خطة المجلس العسكري، فإن بإمكانه تجاهل المحتجين واتخاذ إجراءات صارمة لتفريقهم.

وكانت جماعات حقوقية قد زعمت أن 60 شخصا على الأقل قتلوا حتى الآن، ومع ذلك يعتقد كثير من المراقبين أن الحكومة أظهرت ضبط النفس إلى حد كبير خلال الأشهر الأربعة الماضية. وفيما يتعلق بالمحتجين يقول ديفيرمونت، الذي يعمل أيضا محاضرا فى كلية إيلتون للشؤون الدولية بجامعة جورج تاون، إنهم أظهروا قدرة كبيرة على الصمود وربما يزيد رحيل البشير من إصرارهم. وقد احتفلت جموع السودانيين بانتصارهم، ولكن كما حدث فى الجزائر، من المؤكد تقريبا أن المحتجين سوف يواصلون تصعيد احتجاجاتهم من أجل تحقيق عملية انتقال كاملة.

ومع ذلك، فإن قدرة المحتجين على الصمود سوف تتعرض لاختبار، إذا بدأت الحكومة فى عملية قمع أكثر وحشية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن شهر رمضان سوف يبدأ فى الأسبوع الأول من الشهر القادم وسوف تؤدى الحرارة المتزايدة إلى زيادة العبء الشخصي والبدني بالنسبة للمحتجين في حالة الإصرار على البقاء في الشوارع.

من ناحية أخرى، ذكر المحلل الأمريكى أن الدول المجاورة للسودان سيكون لها دور فى صياغة عملية الانتقال، فإثيوبيا والدول الرئيسية الأخرى في المنطقة التزمت الصمت أثناء الاحتجاجات. وإذا رفض رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد ، والرئيس الكينى أوهورو كينياتا ، والرئيس الأوغندى يوري موسيفينى خطة الجيش الانتقالية، فإنه لن تكون هناك فرصة كبيرة للمجلس العسكري الانتقالي للمناورة.

وبالنسبة للخليج ، أشار ديفيرمونت أن الدول الخليجية امتنعت فى الأشهر الأخيرة عن مساعدة البشير لتهدئة العاصفة الاحتجاجية التى يواجهها نظامه. وإذا واصلت دول الخليج الامتناع عن دعم المجلس الانتقالي، فإن خزانة الحكومة الانتقالية الجديدة، قد تصبح خاوية وبذلك تفتقر إلى شرعية البقاء فى السلطة.

ومن المعروف أنه فى السيناريوهات التى لا يتفق فيها العسكريون والمحتجون على كيفية المضي قدما، تزداد فرص وقوع أعمال عنف وفوضى. ويقول ديفيرمونت إنه مع ذلك، فإن أفضل سيناريو هو ذلك الذى لا يوجد فيه لدى أي من الجانبين استعداد للتفكير فيه، وهو تشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراطيين وبعض عناصر من القوى المهنية، ونخبة من المثقفين السودانيين. وكان هذا هو جزء من نجاح المرحلة الانتقالية فى بوركينا فاسو فى عام 2014.

 

 

وفيما يتعلق بدور المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع الوضع في السودان، يقول المحلل الأمريكى أنه يتعين عليهما التعاون مع الجانبين للتوصل إلى حل وسط، وهو ما يتطلب بذل بعض الجهد الدبلوماسي.

وأضاف أنه يجب على الولايات المتحدة التواصل سرا مع قيادة حركة الاحتجاج، بما فى ذلك تجمع المهنيين السودانيين، وإبلاغهم أنه من المفيد أن يكون هناك بعض التوافق بين المجلس العسكري والحزب الحاكم السابق، ولو كان ذلك فقط من أجل الحفاظ على بعض الاستمرارية لمهام الدولة وتحقيق إجماع عام.

وأكد ديفيرمونت على ضرورة تكثيف واشنطن تنسيقها مع دول الخليج العربية، وقادة المنطقة مثل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للضغط على الجانبين من أجل التوصل إلى حل وسط. د ب أ