زهراء علي.. العراق من وجهة نظر نسوية

الإنتاج المعرفي حول العراق محكوم في الغالب بنظرة ضيقة

تتناول الباحثة والأكاديمية العراقية، زهراء علي، في كتابها "المرأة والجندر في العراق: بين بناء الأمة والتفتت"، الصادر عن "دار جامعة كامبردج" نهاية عام 2018، التاريخ الاجتماعي للحركات النسوية والنسويات في العراق. ومن هناك تنطلق لتقديم قراءة أوسع في تاريخ العراق السياسي والاقتصادي والفكري والاجتماعي.

تحاول علي في كتابها الوقوف على التحوّلات التي مر بها العراق، منذ تأسيس الدولة الحديثة في عشرينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا، وهي بذلك تضيء كيف أدّت هذه التحوّلات إلى خلق "مجتمعات" داخل المجتمع ذاته، مجتمعات معسكرة تفتتها الطائفية.

تركز الباحثة العراقية، والتي تعمل أستاذة مساعدة في "جامعة روتجرز" الأميركية بولاية نيوجيرزي، في بحوثها على قضايا الجندر والمرأة كما الحركات الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط عموماً، والعراق خصوصاً، وتبحث سياقاتها المتعلقة بالحرب والصراعات.

أبعد من النسوية

في حديث لـ"العربي الجديد" في نيويورك، حول إصدارها الجديد، تطرّقت علي إلى واقع الإنتاج المعرفي حول تاريخ العراق إذ ترى أن "هذا الإنتاج المعرفي كثيراً ما تسوده مقاربة تقليدية تركز على السلطات والأنظمة السياسية والقيادات، مما يجعلها تقدم قراءات محدودة وتقليدية لتاريخ العراق ومجتمعه. ناهيك عن تركيز الكثير من تلك الأبحاث على فترات محدودة تتراوح في حدود عام 2003".

لكن ما الذي يضيفه تناول تاريخ أي بلد، وليس العراق فقط، من منظور النسوية والتاريخ الاجتماعي؟ تشير المؤلفة هنا إلى أنه "من الضروري أن ننظر إلى موضوع النسوية بشكل لا يحصرها فقط بالنساء أو "قضايا المرأة" بل كأمر يتعلق بالعدالة الاجتماعية الكاملة في أي مجتمع. وهذا يعني أنها تخصّ كذلك الرجال، وتتقاطع مع مسائل مثل الفقر والاقتصاد والطبقة وغيرها. بكلمات أخرى، فإن طرح فكر نسويّ لقراءة التاريخ، يعني أننا نتناول تاريخ بلد ما عن طريق تاريخ المجتمعات المهمّشة، وليس عن طريق التاريخ الرسمي والمؤسسات المهيمنة. والنساء هن جزء أساسي من المجتمعات المهمشة".

اتبعت علي في بحثها المنهج الإثنوغرافي كي تتمكن من طرح قراءة بديلة لتاريخ العراق من منظور الفئات والطبقات المهمشة. في هذا السياق تشرح قائلة: "كان لا بد أن يُبنى بحثي على أساس العمل الميداني الإثنوغرافي المتعمق. ولهذا عشت في بغداد لمدة سنتين بشكل رئيسي، لكن قمت كذلك بزيارات بحثية إلى أربيل والسليمانية، في كردستان العراق. في هاتين السنتين عايشت النساء ووقفت على عمل المؤسسات المختلفة ولم يقتصر بحثي على المقابلات والمشاهدات، بل إنني كنت منخرطة وموجودة دائماً مع تلك الحركات والأفراد ولهذا نتحدث عن تناول إثنوغرافي".

تضيف: "كان ذلك ما بين الأعوام 2010 و2012 وعدت بعدها مجدداً للبحث، في سنوات 2013 و2016 و2017، ولكن بشكل متقطع. كان الغرض من العودة توسيع البحث ليشمل النجف والكوفة وكربلاء والناصرية في سياق الحراك الشعبي الذي عاشه العراق".

كذلك، جمعت علي تاريخاً شفوياً من نساء وناشطات اجتماعيات وسياسيات، تتراوح أعمارهن ما بين 21 و74 سنة، أتين من خلفيات وتوجهات مختلفة. مكّن ذلك الباحثة العراقية من تغطية حقب واسعة من حياة المرأة والمجتمع العراقي بكل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية. أما المواضيع التي تعرضت إليها تلك النقاشات فكانت متنوعة ومن بينها قوانين الأحوال الشخصية والعنف الطائفي والسياسي وعسكرة المجتمع والمساوة بين الجنسين والتحرر والعدالة الاجتماعية على سبيل المثال لا الحصر.



خفوت الراديكالية

تضع علي بحثها "في سياق الأدبيات النسوية العابرة للقومية وما بعد الكولونيالية مع التركيز على التداخل بين قضايا الجندر والأمة والدولة والدين" بحسب عباراتها. وتؤكّد المؤلفة أنها درست "تأثير سياسات الدولة والقوميات المتنافسة والديناميكيات الدينية والقبلية والطائفية، فضلاً عن الحروب والعقوبات الاقتصادية، على تبلور القواعد والممارسات المتعلقة بالجندر والخطابات والنشاطات النسائية العراقية".

تشير علي إلى أن "أول جمعية نسوية في العالم العربي كانت في العراق ومصر عام 1923، وتلتها العديد من الحركات كانت راديكالية. ولكن فكر تلك التيارات شهد تراجعاً في فترات لاحقة. وما زلنا نشهد وجود ناشطات نسويات راديكاليات ولكن العدد يبقى قليلاً نسبياً". توضّح: "يعود سبب هذا التراجع إلى التراجع العام الذي شهده العراق على مستويات عديدة من بينها الصحة والتعليم".

وحول المشهد العام المتعلق بالجمعيات النسائية تلفت علي إلى "انتعاش" ثقافة الـ "إن جي أوز" في العراق، مما يؤثر على البرامج والخدمات التي تقدمها الحركات النسائية، وخاصة تلك التي تريد الخروج من كنف الطائفة أو الدين أو القومية. وتشير إلى إن الإشكالية في هذا السياق تكمن في أن عدداً لا بأس به من تلك المؤسسات تحمل برامج مشابهة من ضمنها نشر توعية حول مواضيع معيّنة أو المطالبة بأمور مشابهة كالحصص (كوتا) في البرلمان مثلاً.

تؤكد الباحثة العراقية على أن الإشكالية لا تكمن في المطالب والبرامج من الناحية المبدئية، بل لكونها مفروضة بتأثير أجندات المؤسسات المانحة في الكثير من الأحيان. وتشير في الوقت ذاته، إلى أنه وفي ظل غياب مؤسسات وغياب الخدمات الأساسية، فإن الحركات النسائية هي التي تقدم خدمات اجتماعية من المفترض أن تقدمها الدولة. لكن هذا لا يعني غياب الناشطات النسويات صاحبات النظرة النقدية والفكر البديل إلا أن عددهن قليل.



مصطلحات ومغالطات

ولدى الحديث عن الفرق بين النسائي وبين النسوي، تجيب علي بالقول: "هذا سؤال معقد وتناوله ليس بتلك السهولة. ولكن عموماً يمكن أن أقول إنني أعتبر أن أي امرأة تحاول تقديم شيء للمجتمع، للنساء أو الرجال، فهي تقوم بعمل نسوي. طبعاً هذا إلى جانب أنواع أخرى من العمل النسوي الأكثر راديكالية والمرتبط تاريخياً باليسار.. في كتابي أقف عند إشكالية الحديث عن مفهوم "العلمانية" ومفهوم "الدين". لا أريد أن أقع بخطأ التوجه الذي يرى أن أي شيء مرتبط بالدين هو "محافظ" أو أن أي شيء علماني هو "متفتح". هذه التصنيفات مغلوطة والواقع أكثر تعقيداً، وقد وجدت نساء يعرّفن أنفسهن بأنهن علمانيات ولكن نجدهن يحملن فكراً محافظاً وذكورياً، وهناك جزء آخر لا يحب تعريف نفسه بالعلماني وجدته بممارسته أحياناً أكثر راديكالية، وفي نهاية المطاف هذا موضوع شائك وعلينا التعامل معه بدقة وحذر".

تصف علي كتابها بأنه ليس عن النساء والجندر والحركة النسوية في العراق فحسب، بل كذلك بأنه عمل نسوي يحلل من وجهة نظر نسوية التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المعاصر في العراق.