تونس تحبس أنفاسها في انتخابات رئاسية مجهولة النتائج: ثاني انتخابات بعد ثورة 2011 ورحيل بن علي

بدأ التونسيون يوم الأحد 15 / 09 / 2019 التصويت في انتخابات رئاسية يصعب التنبؤ بنتيجتها فيما تسيطر المشاكل الاقتصادية للديمقراطية الوليدة على اهتمامات الناخبين.

وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي (0700 بتوقيت جرينتش) من العاصمة تونس المطلة على البحر المتوسط إلى غابات أشجار البلوط في الشمال الغربي والبلدات التي تعمل بالتعدين في الداخل وقرى المنطقة الصحراوية جنوبا.

وفي مدينة المرسى الساحلية القريبة من العاصمة، اصطف الناخبون في طوابير طويلة خارج مراكز الاقتراع. وقالت ليليا عامري (36 عاما) الموظفة بأحد البنوك: "هذه حقيقة لحظات تاريخية. وصلت هنا في الساعة السابعة صباحا... لأدلي بصوتي لزعيمنا الجديد الذي يتعين عليه حماية الديمقراطية".

وتخلصت تونس من الحكم الاستبدادي قبل ثمانية أعوام في ثورة ألهمت انتفاضات "الربيع العربي" في مصر واليمن والبحرين وليبيا وسوريا لكنها وحدها حظيت بانتقال سلس وسلمي إلى الديمقراطية.

لكن الشعور بتراجع مستويات المعيشة منذ انتفاضة 2011 إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم أحبط العديد من الناخبين فجاءت نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات المحلية العام الماضي 2018 عند مستوى 34 بالمئة فقط.

وحبس التونسيون أنفاسهم عشية اقتراع رئاسي مجهول النتائج يتنافس فيه خصوصا رئيس حكومة شعبيته في تدهور، ورجل أعمال موقوف، وقيادي في حزب النهضة الإسلامي، ما أثار نقاشات حامية في البلاد.

وانسحب مرشحان ثانويان للاقتراع الجمعة 13 / 09 / 2019 في آخر أيام الحملة الانتخابية لصالح مرشح آخر حظوظه أوفر هو عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع وذلك في محاولة لتقليص تشتت الأصوات بين المرشحين الـ 26 خصوصا في غياب صراع برامج واضح.

والسبت 14 / 09 / 2019 كان يوم الصمت الانتخابي في تونس قبل بدء التصويت الأحد 15 / 09 / 2019 عند الساعة 08,00 (07,00 ت غ). أما خارج تونس فإن مكاتب التصويت فتحت منذ الجمعة ولثلاثة أيام.

وتستمر الجلبة السياسية في تونس. فحال انتهاء حملة الانتخابات الرئاسية المبكرة منتصف ليل الجمعة إلى السبت بدأت حملة الانتخابات التشريعية المقررة في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2019. وبدا نشطاء بتعليق ملصقات أكثر من 1500 قائمة تشارك في سباق البرلمان.

وكانت وفاة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في 25 تموز/يوليو الماضي 2019 قبل أشهر من انتهاء ولايته نهاية العام، قلبت مواعيد الانتخابات. وشدت الانتخابات الرئاسية المبكرة كل الانتباه على حساب الاقتراع التشريعي الذي يتوقع أن يكون بين جولتي الانتخابات الرئاسية.

وبدت آخر الاستعدادات على قدم وساق نهار السبت مع نقل صناديق الاقتراع المختومة تحت رقابة الجيش الوطني. وأعلنت وزارة الداخلية نشر أكثر من سبعين ألف عنصر أمن لتأمين الاقتراع الأحد. وتكثر الرهانات والتخمينات عبر الانترنت بناءً على استطلاعات سرية حيث يمنع القانون نشر نتائجها منذ تموز/يوليو.

ويتوقع أن تصدر أولى تقديرات النتائج ليل الأحد إلى الإثنين فيما تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية الثلاثاء. وأعلن المستشار السياسي السابق محسن مرزوق ورجل الأعمال سليم الرياحي انسحابهما من السباق الرئاسي لصالح عبد الكريم الزبيدي، وهو وزير تكنوقراط مقرب من حزب نداء تونس الذي ينحدر منه مرزوق والرياحي. وكان حزب نداء تونس بزعامة الباجي، فاز في انتخابات 2014 أمام الإسلاميين. لكن هذا الحزب المتعدد المشارب انقسم إلى عدة فصائل متصارعة لاحقا.

والنتيجة أن ثمانية من المرشحين للاقتراع الرئاسي أتوا من حزب نداء تونس بينهم يوسف الشاهد الذي يجد صعوبة في الدفاع عن حصيلة ثلاث سنوات من تولي حكومته. فالبطالة مثلا التي كانت أحد محركات ثورة 2011، ما زالت عند 15 بالمئة في حين يستمر ارتفاع الأسعار التي تضغط بشدة على أجور ضعيفة.

وأكد القضاء الجمعة استمرار توقيف أحد أبرز منافسيه رجل الأعمال في قطاع الإعلام والإعلانات نبيل القروي. وكان تم توقيف القروي في نهاية آب/اغسطس بشبهة فساد وتبييض أموال. وقد يصبح أول سجين في السباق النهائي للرئاسة.

وتجمع مساء الجمعة نحو مئة من أنصاره على بعد كيلومترين من مكان سجنه في ضواحي العاصمة، وهتفوا بشعارات وأطلقوا ألعاباً نارية. وقالت زوجته سلوى سماوي التي تعمل في حملة زوجها "آمل أنه يسمعنا".

من جهته قال محمد دوم الذي شارك في آخر اجتماع لحزب "قلب تونس" بزعامة القروي، "إنها مسألة مبدأ، أنه في السجن بدون محاكمة، هل هذا هو الانتقال الديمقراطي؟".

لكن بين الحضور قال مواطن غاضبا: "كفاكم توزيع ثلاجات ومعكرونة"، متهما "جميع الحاضرين هنا الليلة" بأنه تم شراؤهم.

وكان القروي وهو مؤسس قناة تلفزيون، صنع شعبية من خلال جولات واسعة في تونس في سياق أعمال خيرية بثت فعالياتها طوال عامين قناته.

واختتم ثلاثة مرشحين آخرين حملاتهم الانتخابية في الشارع ذاته في العاصمة باجتماعات. وأعطى ذلك حيوية لوسط العاصمة في أجواء احتفالية التقى فيها مناصرو مختلف المرشحين.

وبين هؤلاء عبد الفتاح مورو أول مرشح للانتخابات الرئاسية في تونس عن حزب النهضة الإسلامي. ومع أن هذا المحامي بشوش وعرف بسعيه للحوار، فإن حزب النهضة يبقى غير مأمون الجانب من قسم من التونسيين.

وقال محرز عرفاوي وهو متقاعد من أنصار مورو: "صوتُ في 2014 لقايد السبسي، ولم تتحسن الأمور. اليوم أصوت لمورو. ليس للنهضة، بل لمورو".

يذكر أن الراحل قايد السبسي الذي انتخب رئيسا في 2014 على خلفية مناهضة الإسلاميين، تحالف بعد فوزه مع حزب النهضة.

وشهدت الحملة الانتخابية خصوصا مناظرات تلفزيونية كانت موضع متابعة كبيرة في البلد الوحيد الناجي من اضطرابات وثورات الربيع العربي في 2011.

لكن الأزمة الاقتصادية والنزاعات السياسية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة ضربت ثقة التونسيين بالأحزاب الكبرى، ما يفتح الباب أمام احتمال تصويت عقابي. أ ف ب ، رويترز