هل التدخل الخارجي مرغوب فيه؟

هل بدأ الإصلاح فعلاً في مصر والشرق الأوسط؟ هل يمكن أن نسجل بداية هذا الإصلاح بموافقة البرلمان المصري على تعديل الدستور واختيار الرئيس بين أكثر من مرشح؟ تعليق الصحفي اللبناني غسان مكحل.

أنصار حركة كفاية أمام جامعة  القاهرة، الصورة: أ ب
لا للتجديد، لا للتوريث! أنصار حركة كفاية أمام جامعة القاهرة

​​

قبل بضعة شهور تصدر هذا الموضوع مجلة نيوزويك حيث تناولت مناقشة كون الإصلاح الحاسم في المنطقة لابد أن يبدأ في مصر وليس في العراق أو أي بلد آخر. هذا ليس بحجة جديدة. لأن الثقل الحضاري والسياسي لمصر في المنطقة يعود إلى عصور طويلة.

في الشهور القليلة الماضية كان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد طالب مصر والمملكة العربية السعودية بالقيام بمبادرة الإصلاح في المنطقة. وقد أجمع معظــم المحللين السياسيين على أن إجراءات الإصلاح في مصر والمملكة العربية السعودية والبلدان الأخرى في منطقـة الشرق الأوسط قد جاءت كردِ فعـلٍ على نداءات أمريكية.

ولكن هذا لا يعني بأنه ليس هناك ضغط داخلي لإجراء الإصلاح في مصر والمنطقة. فكثيراً ما ترددت النداءات التي تطالب بالديمقراطية، والمشاركة في الحكم والتعددية واحترام حقوق الإنسان. لكن بصرف النظر عن ما إذا كانت دوافع الإصلاح قد جاءت من داخل البلاد أو خارجها، فالإصلاح هي قضية مركزية ويجب أن ينظر إلى تصريح مبارك على أنه بمثابة إعلان لجمهورية ثانية.

إن فكرة اختيار الرئيس في مصر من خلال انتخابات مباشرة لم يكن أبداً مطلباً شعبياً مصرياً بل هو مجرد مطلب مجموعة صغيرة من المثقفين المصريين وشخصيات المعارضة. فإن ما يهم الشعب المصري هو توفير فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية والقضاء على الفساد الإداري. ولكن تنازل الحكومة في قضية الانتخابات يشير إلى قلقها من إمكانية توسع نطاق المعارضة وحصولها على دعم مجموعات من الصعب إرضاء مطالبها.

لقد أعرب الرئيس مبارك منذ فترة قلقه من تصاعد الضغوط الأجنبية على دول المنطقة، وقـد نصح بشار الأسد مؤخراً بأنه من الأفضل الاستجابة لقرار الأمم المتحدة رقم 1559. وقال إن دمشق ليست في وضع يسمح لها بمواجهة الضغط العالمي.

ويجب أن لا ننسى بأن محاولات إدخال الحداثة في المنطقة ترجع إلى حملة بونابرت إلى مصـر قبل قرنين. ولكن معظم الإصلاحات التي شهدتها المنطقــة منذ ذلك الحين جاءت نتيجة التأثير الأجنبي وليس الضغط الداخلــي.

لقد حارب العرب بضراوة ضد الاحتلال الأجنبي والظلم. وانتقلوا من ثورة إلى أخرى، في حرب مستمرة ضد الأجانب. ولكنهم لم يقودوا أبدا ثورة شـعبية من أجل التغيير، أو الإصلاح الداخلي أو الديمقراطية.

ومنذ منتصف القرن العشرين كان انتقال مراكز القوة في هذه المنطقة من العالم دوما مرتبطا بانقلابات عسكرية التي أفرزت حكومات بقبضات حديدية. إذا فإنه ليس بأمر غريب أو غير مرغوب فيه أن يكون الإصلاح الضروري قد جاء نتيجة للتطورات العالمية أو الضغط الأجنبي.

إن موافقة حسني مبارك على تعديل الدستور لإجراء انتخابات رئاسية مباشرة وسرية تعتبر أجرأ خطوة اتخذت في مجال الإصلاح منذ سنين.

فمنذ عقود والحكم بيد رؤساء تولوا السلطة عن طريق وسائل غير ديمقراطية. ومبارك نفسه قد تقلد منصب الحكم منذ عام 1981 ولن يواجه أيضا في الانتخابات المقبلة في سبتمبر/أيلول 2005 أي تحد جدي.

لقد جاءت تصريحات مبارك المفاجئة بعد أيام قلائل من مطالبة بوش مصر بتولي ريادة الإصلاح في المنطقة. إن الإدارة الأمريكية لم تكن راضية بإجراءات الإصلاح التي اتخذت سابقاً أو مؤتمرات الإصلاح التي عُقدت في مصر خلال العامين الماضيين.

وبهذه المبادرة وضع مبارك عدة اعتبارات في حسابه. فهو يعلم بأن هذا التحرك قد يساعد في تحسين العلاقات مع واشنطن في الوقت الذي ازداد فيه الضغط على الصعيدين العالمي والإقليمي، كما يساعد في تبوء مصر دور قيادي فيما يخص الإصلاح في المنطقة. وهذا الشئ ما لم يفلح تحقيقه مؤتمر الإصلاح في الإسكندرية.

مبارك يعلم أيضاً بأن هذا التحرك سيأخـذ الريح من شراع المعارضة، التي قامت خلال الأشهر القليلة الماضية، وبدون كلل بحملات من أجل تحقيق الإصلاح.

ورغم أن حشود الشعب المصري لم يسيس بعد، إلا أن الحكومة تخشى من أن يؤدي ازدياد جرأة المعارضة في النهاية إلى السـيطرة على مخيلة الأمة، والتي ترزح تحت هموم كثيرة. وكانت المعارضة قد أصبحت أكثر جرأة طالما ان الظروف العالمية والداخلية متعاطفة معها.

مبارك ومستشاروه واثقون من أنه ليـس هناك خصماً يمكنه الفوز بمقعد الرئاسة من خلال انتخاب. وأحد أسباب هذه الثقة يعود إلى كون النظام السياسي المصري يحول دون تطور الأحزاب الأخرى أو رجال السياسة لكي يصبحوا أقوياء بقدرٍ كافٍ يمكنهم فيه من تحدي الحكومة.

وتسيطر الحكومة على أغلب وسائل الإعلام. وحتى ضمـن الحزب الحاكم ليس هناك سياسياً معروفاً بالقدر الكافي الذي يمكن له تحدي الرئيس. وانه من السذاجة أن نفترض بأن نوال السعداوي أو سعد الدين إبراهيم قد يكون بإمكانهما اجتذاب أكثر من جزء قليل من مجموع الأصوات في الانتخابات.

ومعظم هؤلاء الذين يحاولون تولي المنصب الرئاسي يقومون بذلك لإظهار موقف، وليس لأنهم مرشحون يتمتعون بفرصة فوز حقيقية. ومن المستبعد من أن شخصية بارزة ستظهر للعيان خلال الشهور القليلة القادمة والتي سيكون بإمكانها أن تقف وقفة تحدي مقنع أمام صاحب المقام.

وقد شكت المعارضة من أن الخطوة التي قام بها مبارك ليست كافية. هذا يظهر بأنها أدركت فقدان مطلبها الرئيسي في حملتها خلال الشهور الماضية.

انتخاب الرئيس في اقتراع سري سوف يحرم الجيش من أي فرصة للتأثير على من سيتولى المنصب في آخر الأمر. وسيتاح المجال الآن لسياسيين بارزين ورجال أعمال للترشح لأعلى منصب في البلاد، بما في ذلك جمال مبارك. ولا يوجد أحد يستطيع أن يعترض علي ترشحه في انتخابات حرة وعادلة. وتغيير الدستور سوف يرضي أيضاً القوى الدينية أمثال الأخوان المسلمين والأقباط، والذين عانوا من التمييز لفترة طويلة.

ان تحرك مبارك لا يعني بالضرورة نهاية الحملة الأمريكية ضد نظامه، فواشنطن لا تستهدف مبارك كشخص بل مصر كدولة. وقد احتفظت بتأثيرها في المنطقة، حتى بعد توقيعها على معاهدة السلام مع إسرائيل، ولم يكن دورها في المنطقة يخدم مصلحة إسرائيل والسياسات الأمريكية دائماً.

ومن المحتمل أن المعارضة المصرية سوف تبحث لها خلال الأيام القلائل القادمة عن مطالب جديدة تسمح لها في مواصلة حملتها ضد الحكومة. وسوف ترى المعارضة في مبادرة مبارك تأكيدا لقوتها. كما ستتابع ردود الفعل الأمريكية حول الإصلاح في المستقبل القريب. أما واشنطن فتبدو عازمة على المضي قدما في السيطرة على المشهـد السياسي في مصر، لغرض إعادة رسم خريطة المنطقة.

بقلم غسان مكحل
صدر المقال في صحيفة أهرام ويكلي
ترجمة لمياء أحمد
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005

قنطرة
لا للتجديد لا للتوريث!
تطالب العديد من الأطراف في مصر بتغيير الدستور لكي يتمكن المصريون من انتخاب رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح. في الحوار التالي يتحدث المدير التنفيذي لمركز هشام مبارك للقانون عن خلفية اندلاع هذه المناقشة وردود فعل السلطة على مطالب الإصلاح.