تحالف ألكتروني غير مقدس!

تلجأ بعض المواقع في الانترنت الى بث رسائل متطرفة بدعوى دعم الكفاح من أجل تحرير العراق ومناطق الحكم الذاتي الفلسطيني. تقرير من ارمغارد بين وأيمن مزيك عن التطرف الالكتروني الحرب ضد مخاطر العالم الافتراضي.

موقع في الإنترنت، الصورة: أ ب
العالم الافتراضي يفتح المجال أمام الكثير من الممنوعات

​​تلجأ بعض المواقع في الانترنت الى بث رسائل متطرفة بدعوى دعم الكفاح من أجل تحرير العراق ومناطق الحكم الذاتي الفلسطيني. تقرير من ارمغارد بين وأيمن مزيك عن التطرف الالكتروني و الحرب ضد مخاطر العالم الافتراضي.

ينشر عدد كبير من المواقع الالكترونية والمنتديات والمجموعات البريدية أخباراً عن الوضع في العراق وفلسطين وغيرها من الدول الإسلامية في مسعى لنشر الأخبار التي تُعتم عليها وسائل الاعلام او تمر عليها كأي خبر ثانوي. بالاضافة الى ذلك فان هذه المواقع الالكترونية تُعتبر بمثابة وسيلة تواصل بين مناهضي الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط وسياسة الاحتلال الاسرائيلية.

يقوم أغلب المشرفين على مثل تلك المواقع بنشر تلك الأخبار – رغم تحيزهم الى طرف ما – الى تقديم أخبارهم بنزاهة وإخلاص بهدف التعايش السلمي. من جهة أخرى، يستغل البعض شبكة الانترنت - وخصوصاً المجموعات المتطرفة من مختلف التيارات (مثل "شبكة العراق الاخبارية") - لنشر أفكار عنصرية ونازية ومعادية للسامية أو لعرض الإسلام وكأنه ايديولوجيا عنف وكراهية.

مواقع الكترونية متطرفة

كل هذا أدى الى تعالي أصوات أجهزة الأمن المطالبة بفرض الحجر على مثل تلك المواقع الالكترونية المتطرفة. يبدو هذا الطلب للوهلة الأولى منطقياً، إلا أنه محفوف بالمخاطر، لا سيما خطر التمميز والمعايير المزدوجة، أضافة إلى امكانية تفسير ذلك على انه اجراء دفاعي عن جهة ما، فضلا عن ان مثل هذه الاجراءات يمكن أن تخمد الظاهرة ولكن لا يمكن لها أن تبترها.

ليس سهلاً ان يجد المرء طريقه الى مثل تلك المواقع الالكترونية والمنتديات والمجموعات البريدية. صحيح انهم ينقلون معلومات تُعتم عليها أو تتجاهلها وسائل الإعلام التي تتماشى مع التيارالسائد، الا انه كثيرا ما يتم الوصول الى نتائج مغالطة، بل ومتطرفة أحياناً بسبب خلفيتهم العقائدية والسياسية.

فعلى سبيل المثال تُنشر على موقع الكتروني عربي يُدعى "المحرر" تقارير داخلية وتعليقات مهمة عن الوضع الحالي في العراق وتُعطى صورة عن التحالفات الداخلية والعداوات مثلاً، إلا أنه لتقييمها بشكل صحيح، علينا أولاً معرفة ان المسؤولين عن تلك المواقع هم من البعثيين الذين يناضلون من أجل عودة صدام الى سدة الحكم. وهذا ما يظهر على الصفحة الرئيسية للموقع المذكور بوضوح، وليس فقط من خلال المقالات والتعليقات التي تنشرها مواقع "صديقة" ومجموعات بريدية يشار اليها.

تحالف الأعداء

من مميزات تلك المواقع أن الخلفية الإيديولوجية السياسية للمساهمات تبقى في الظلام وهي تجمع أشخاصا ومؤسسات لا يجمعها عادة اي قاسم مشترك، أو حتى ان بعضها يكن العداء للآخر، مثل نشطاء السلام الجادين والمعادين لليبرالية والاشتراكيين وأتباع صدام حسين والنازيين الجدد وغيرهم، علماً ان البعض ممن يشارك في النقاش بأسماء وهمية يحاول تمرير أفكار ايديولجية مستفزة.

انها تركيبة خطيرة. يقول "معهد البحث عن الكيانات الارهابية الدولية" في واشنطن إنه عثر على كتيبات نظرية وعملية حول أسس التدريب على الارهاب عند تقصيه للمواقع الالكترونية المتطرفة.

4000 موقع الكتروني متطرف

وحسبما ورد في صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" الألمانية يقدر الخبراء عدد المواقع الالكترونية المتطرفة المفتوحة بحوالي أربعة آلاف موقع حالياً.

لا يهم أصحاب تلك المواقع أصلاً استتباب السلام والعدالة في الشرق الأوسط قدر اهتمامهم بجذب أكبر عدد ممكن من المؤيدين والمناضلين معهم في صراعهم العقائدي والسياسي.

العامل المشترك بينهم هو العداء المتأصل للسامية الذي ما برح يشعله النازيون القدامى والجدد بصورة مستمرة – خصوصاً أولئك الناكرون للهولوكوست والتحريفيون المقيمون في الولايات المتحدة الأميركية – عن طريق تقديم "براهين" من الايديولوجيا النازية.

المجموعة البريدية الموجهة الى "البروليتاريا" تقدم دليلا واضحا على ذلك، فهنا يلتقي مقاومون عسكريين عراقيون مع لاساميين معروفين، مثلاً عن طريق نداء للتضامن مع ارنست تسوندل، الذي تم تسليمه لألمانيا بتهمة انكاره للهلوكوست.

يتشكى كونستانتين هوفماير المقيم في الولايات المتحدة الأميركية والمعروف بكونه بولشفيا قوميا من خيانة هتلر للإشتراكية ولستالين. كما يشكو روبرت ماوريسون، "خبير غرف الغاز النازية" من "المنع العالمي" الذي فرضته الأمم المتحدة على التحريفية – مع الإحالة الى معهد أدلايد اليميني المتطرف في استراليا والذي يستقطب الإهتمام في الدول الاسلامية.

ونذكر في هذا الصدد أيضاً جون باول كوب من "لجنة شمال أميركا المناهضة للصهيونية والامبربالية" الناشط أيضاً على هذه المجموعة البريدية والمعروف باعجابه بصدام حسين وكيم ايل سونغ.

من وراء الرسائل المتطرفة؟

يحاول البعثيون والتحريفيون عبر الانترنت ان يتفاخروا بخطاب اسلاموي وكأنهم يحاربون من اجل حقوق المسلمين. من الناحية الأخرى ينشط في مواقع الانترنت والمجموعات البريدية متطرفون مسلمون يدعون الى الاتحاد في الكفاح ضد الولايات والمتحدة وإسرائيل ويعتبرون صدام بطلا في "الجهاد".

هذا هو ما يجري ضمن موقع قائمة "البروليتاريا"، لا سيما من قبل من تسمي نفسها "الشيخة" عائشة محمد، فهي تصور صدام في ندائها "للجهاد المسلح" على انه مجاهد كبير و"أبو الشهداء".

يُقال عن هوية هذه السيدة غير المعروفة والتي تكتب بلهجة مشحونة بالشعارات الإسلامية على مواقع الانترنت أنها زوجة العالم كوكب صديق المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، مما يشير الى خطوط تربطها بـ"الجماعة الاسلامية في باكستان".

من الصعب القول الى أي حد يهتم المسلمون بهذه المواقع والمجموعات، او إن كانوا يُعيرونها اهتماماً أصلاً. على الأقل هناك بعض الاستجابات، فالبعض يندرج في صفوفهم عن قناعة تامة، بينما تنقص البعض الآخر المعرفة في أمور الاسلام والسياسة.

عدو عدوي صديقي

من ناحية أخرى لا يهتم البعض بالمبادئ الايديولوجية والأهداف الحقيقية "لحلفائهم"، طالما ان كفاحهم المشترك قد يؤدي الى النصر، سيراً على مبداً "عدو عدوي صديقي". تُستخدم هذه الشبكات أصلاً من قبل مسلمين عسكريين متطرفين لتحريض المسلمين ضد المسلمين.

كل من لا يتبع إسلامهم فهو "كافر"، حسب رأيهم، أو يُتهم بالتعامل مع الملحدين. فيطلق على ايران مثلاً في المجموعة البريدية، "البروليتاريا" انها تتعامل مع الصهيونية. وتضع عائشة محمد في مقال نشرته عبر هذه المجموعة الاخبارية بلا أي تردد بوش والحكومة الأميركية والصهيونية المسيحية والشيعة في نفس الخندق.

هناك في ألمانيا أيضا بعض الخيوط التي تدل على وجود علاقات مع فصائل عروبية، وهو ما يتجلى مثلاً في قوائم الداعمين للاحتفالات المختلفة للمقاومة العراقية.

في المانيا أيضا

بمعزل عن ذلك تم في الآونة الأخيرة نشر رسائل الكترونية باللغة الألمانية مجهولة المرسل تحمل أفكاراً متطرفة وتحريضية مشابهة. وقد تجد هذه الرسائل آذاناً صاغية - كما هو متوقع- في حال استمرار توتر العلاقات بين المسلمين ومجتمع الأكثرية الألماني، لذا فالمطلوب في هذه الحالة الوعي والتيقظ.

كل هذا يتطلب اعتبار المسلمين جزءاً من الحل. كما ينبغي علينا ألا نهول المخاطر التي تحدثنا عنها في المقال، بل العمل على إزالتها جذرياً.

مثل هذا الأمر يتطلب انشاء شبكة مقابلة من مسلمين وأشخاص ومجموعات ومؤسسات واعية ومحترفة غير مثقلة بالأحكام المسبقة ضد الإسلام تكرس نشاطها لمواجهة التطرف اليميني والعنصرية.

بقلم ارمغارد بين وأيمن مزيك
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبق قنطرة 2006

إرمغارد بين باحثة ألمانية في العلوم الاجتماعية
، أيمن مزيك الأمين العام للمركز الأعلى للمسلمين في ألمانيا.

قنطرة

الإنترنت والديموقراطية في العالم الإسلامي
يزداد استخدام الإنترنت في الدول العربية والإسلامية. هل يؤدي ذلك إلى تغييرات بنيوية في الرأي العام؟ وهل تتعامل المجتمعات الإسلامية بشكل جديد مع المسائل الدينية والسياسية؟ هذه هي بعض محاور الحوار مع الباحث الألماني ألبرشت هوفهاينز