مصر بعد الثورة....حرب ''المايوهات'' وصراع الأيديولوجيات

يطرح الباحث في جامعة كامبردج والإعلامي المعروف خالد الحروب في هذه المقالة تساؤلات حول الدولة الدينية والمدنية في مصر، مؤكدا أن التحدي الكبير الذي يجب أن يواجهه الإخوان المسلمون الطامحون للحكم يتجسد في مفهوم المساواة المطلقة بين المواطنين بغض النظر عن أي معطيات دينية أو عرقية أو طائفية أو مسلكية.



"البكيني والخمور ومثلها من الامور قد تبدو للاستاذ فهمي (هويدي) ثانوية ولغيره من الاصوليين لكن المسألة ليست فيها تماما بل في رمزيتها: اي في انها تمس الحريات الفردية للمواطنين وليس فقط السواح. انا مصرية افتخر بمصر ولن اغادرها ولو بكل المغريات, وقضيت اسابيع الثورة في ميدان التحرير, لكنني البس البكيني واسبح على شواطىء بلدي, فمن له الحق ان يقول لي لا؟ هذه مصر لنا جميعا ويجب ان نحترم خياراتنا الفردية. انا احترم حق السلفي والاصولي في ممارساته الدينية وعليه احترام حقي في ممارسة ما اشاء في وطني. ومن يتأذى من من رؤية البكيني عليه ان لا يذهب للشواطىء" هذا تعليق موقع بإسم "ناديا مصرية" ورد ضمن تعليقات عديدة على مقالة للزميل فهمي هويدي منشورة على موقع "العربية نت" مؤخرا بعنوان "ليس دفاعا عن البكيني".


المقالة المذكورة والتعليقات الواردة عليها ترد في نقاش اثارته تصريحات د. سعد الكتاتني الأمين العام لحزب الحرية والعدالة (الاخوان المسلمين) في مصر دعا فيها لمنع السائحين في مصر من ارتداء لباس البحر وشرب الخمور. القلق والتخوف الذي استدعته دعوة الكتاتني عند كل من يعمل في قطاع السياحة في مصر وهو قطاع كبير وتشكل مدخولاته جزءا اساسيا من الدخل القومي بشكل عام قلق مشروع بطبيعة الحال. لكن القلق والخطر الاكبر هو ما عبرت عنه "ناديا المصرية" ولا علاقة له بالسواح, بل بالمنطلق والفكر والرؤية الابوية التي تصدر عنها هذه التصريحات. وقبل المضي في هذه المقالة من الانصاف الاشارة إلى تصريحات لقيادات اخوانية اخرى كانت سابقة على تصريحات الكتاتني كانت معتدلة الى حد ما إزاء مسألة السياحة والحريات الفردية, وخاصة الصادرة عن الدكتور عصام العريان.

حقائق وتحديات

الصورة ا ب
مصر ''الجديدة''.....المواطنة بدلاً من الطائفية: هل سيصبه هذا الأمر شعار م المرحلة؟

​​
تعليق "ناديا المصرية" يطرح جملة من الحقائق والتحديات التي يجب ان تقض مضاجع القيادات الاسلامية الإخوانية على وجه التحديد بكونها معتدلة نسبيا وافتراضيا عند مقارنتها بجموح التعصب السفلي وجماعاته المتناسلة بشكل مذهل. الحقيقة الاولى وجوب التخلص من التعسف الاخلاقي الكبير في ربط علاقة قوية وشرطية بين التدين والوطنية, كما تم الترويج في المخيلة العامة خلال سنوات المد الاسلاموي الحركي في المنطقة. فهنا اشتغل الخطاب الديني بتنويعاته المختلفة بشكل مباشر او غير مباشر على التشكيك العميق في وطنية واخلاقية ومهنية واخلاص غير المتدينين وفي تحليهم بأي من القيم الايجابية, وحصر تلك القيم بالمتدينين فقط. إلى أن وصلنا الآن في حقبة إسلاميي الثورات العربية إلى ما يقترب كثيرا من نزع الوطنية برمتها عن شرائح عريضة من العلمانيين والليبراليين وغير المتدينين. والمقصود بنزع الوطنية هنا ليس فقط التخوين والاتهام بالعمالة للغرب والخارج وسوى ذلك مما صار معزوفة دائمة في خطابات كثير من الاصوليين إزاء مخالفيهم. بل الاخطر من ذلك كله في هذا السياق وفي مسألة نزع الوطنية هو عدم الاقرار الضمني بأن هؤلاء هم مواطنون يتمتعون بكامل الحقوق والحريات الفردية التي يتمتع بها المتدينون انفسهم.


إن السؤال والتحدي الكبير الذي يجب أن يواجهه الإسلاميون الطامحون للحكم هذه الايام يتجسد في مفهوم المساواة المطلقة بين المواطنين بغض النظر عن اي معطى آخر, ديني, طائفي, عرقي, مسلكي او سواه. ولأن مقولة المساواة هذه تتصف بقدر واسع من العمومية والضبابية بما يهمش من التفاصيل الصعبة التي تتضمنها وبما يُسهل قبولها واصدار التصريحات من قبل الاسلامين هنا او هناك بها تتقبلها وتتقبل الدولة المدنية بشكل عام, يصبح من الضروري تفكيك معنى المساواة والغوص في بعض جوانبه وسؤال الاسلاميين عن موقفهم بعد ذلك. وليس الهدف هنا تعجيز الاسلاميين او مناكفتهم بل الكشف عن ضرورة عدم تناول القضايا المعقدة والمركبة بسطحية وبراءة مُدعاة.

حق المواطنة

الإخوان المسلمون مصر
"إن السؤال والتحدي الكبير الذي يجب ان يواجهه الإسلاميون الطامحون للحكم هذه الايام يتجسد في مفهوم المساواة المطلقة بين المواطنين بغض النظر عن اي معطى آخر"

​​
ومن معاني وادوار الدولة المدنية والمساواة في المواطنة التي تريد هذه السطور تسليط الضوء عليها, وظيفتها في المحافظة على حق مواطنيها في التمتع بحرياتهم الفردية والمسلكية, وليس فقط حرياتهم السياسية. ومن تلك الحريات الفردية التي من واجب الدولة حمايتها حرية الافراد وحقهم في عدم التدين. التدين والالتزام بأي من الطقوس شأن فردي لا دخل للدولة فيه, وشأن الدولة هو ان توفر المناخ الصحي للمتدين وغير المتدين في الحياة بشكل طبيعي ومن دون قمع. اذا تدينت الدولة معناه انها انحازت لشريحة من الناس ضد الشريحة الاخرى وسوف تحاول عبر القوانين والتشريعات الحد من حرية غير المتدينين الفردية. ولا فائدة هنا من المناكفة المشتهرة التي تحوم حول "حدود الحرية" وانها غير مطلقة فهذا من البداهات الاجتماعية, ذلك انه في اكثر البلدان انفتاحا في الغرب لا يمكن لأحد ان يمارس حريته الفردية في الخروج عاريا في الشارع. بيد ان مطلب "ناديا المصرية" في ان تمارس حريتها في السباحة في شاطىء بلدها, والشواطىء هي المكان المتفق عليه عرفا وقانونا ومسلكاً للسباحة, هو مطلب مشروع ويتسق مع حقها كمواطنة, ولا يحق للدولة ايا كانت ان تمنعها ممارسة هذا الحق.


ولنأخذ الجدل إلى مساحة اكثر خلافية وحساسية لكنها تقع في قلب معنى المواطنة. يواجه العلمانيون والليبراليون اليوم في المنطقة اتهامات لا حصر لها: من التخوين والتبعية إلى الفساد والاباحية, وصولا إلى نزع الوطنية والمواطنة. السؤال الذي يرتبط في خياراتنا بين الدولة الدينية والدولة المدنية هنا يتعلق ليس فقط بحق الليبرالي او العلماني او القبطي في أن يتساوى مع المتدين في المواطنة القانونية الكاملة بل وايضا في حق الملحد واللاديني. اين يموضع الاسلاميون مثلاً ملحدا مصريا يفيض حبا لمصر وقضى كل اسابيع الثورة في ميدان التحرير وغامر بحياته كلها واعتقل وعذب من اجل اسقاط النظام وتحرير مصر من الاستبداد؟ في الدولة المدنية من حق هذا المصري, كما من حق ناديا, ان يتسلم اي منصب رسمي وسياسي طالما تمتع بالكفاءة والمؤهلات التي يحتاجها ذلك المنصب. في الدولة الدينية كيف سيكون الموقف ان كان هذا المواطن هو الأكفأ لتسلم هذا المنصب وافضل من منافسيه الآخرين بما فيهم المتدينين؟ وهل ستتساوى ناديا في الحقوق والتمتع بالمواطنة مع نظيراتها المصريات المتدينات والمحجبات مثلا؟