الوطن العربي وتوطين العلم

الحديث عن التحديث العلمي عادة ما يطول ويتشعب ليقف بنا أمام سؤال ما انفك يلح على مؤرخي العلوم وفلاسفتها والدارسين للشروط الاجتماعية لتطورها. ألا وهو: ما هي الوسائل التي يمكن بها توطين العلم حقاً، أي دون الوقوف عند استيراد بعض تطبيقاته ونتائجه؟

هذا السؤال ما فتئ يشغل بال الكثيرين من العلماء والمفكرين والمسؤولين السياسيين وغيرهم طوال القرنين الماضيين، وهو نفسه يعبر الآن عن أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي المعاصر، الذي لم يُمكِنه بعد النجاح في توطين العلم كمؤسسة اجتماعية وكبعد حضاري. وهذا التوطين لم يكن – ولا يزال – بالمهمة السهلة، ولا بالأمر المتيسر، مع التحديات الأخرى التي شغلت سكان هذه المنطقة منذ قرنين، أعني مواجهة الاستعمار السياسي والاقتصادي – القديم والجديد – القادم من الشمال، وفي نفس الوقت السير في طريق التمنية الاقتصادية والاجتماعية لمؤسسات شديدة التخلف أورثتها الدولة العثمانية والاستعمار من ناحية، ومتابعة تطور حضاري كان قد توقف منذ قرون. والآن وإن اختلفت الأساليب والأوضاع، فالتحديات عديدة ومعقدة، ومنها التطوير العلمي الحقيقي في ظل الأشكال الجديدة للاستعمار والسيطرة.

والسؤال المطروح هنا: أعني التحدي العلمي والتقني، يهم الكثير من بلدان العالم الثالث، ولكن حتى لا نقع في التعميم المخل، علينا أولاً أن نضع بعض خصوصيات الوطن العربي، الموروث منها والمكتسب، الذي يمكن الاستفادة منه والذي يقف عائقاً أيضاً أمام توطين العلم.

 

 

المصدر: مجلة المستقبل العربي، العدد 354 لشهر آب/أغسطس 2008.