الهجوم على مجتمع حقوق الإنسان يهدد أفضل ما في إسرائيل

بعد الموافقة على مشروعي قانونين في القراءة الأولى في البرلمان الإسرائيلي تحدد النشاطات "السياسية" للمنظمات غير الحكومية في الدولة، يصف مورييل روثمان، الناشط في منظمة "الحاخامات من أجل حقوق الإنسان" لماذا يُمثل مجتمع حقوق الإنسان في إسرائيل أفضل المثل اليهودية ويستحق الحماية.

 

تمت مؤخراً الموافقة على مشروعي قانونين مثيرين للرعب في القراءة الأولى في الكنيست، البرلمان الإسرائيلي. يقترح مشروع القانون الأول، الذي يرعاه أعضاء في حزب الليكود اليميني الذي يضم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تحديد التبرعات من الحكومات الخارجية إلى المنظمات الإسرائيلية "السياسية" غير الحكومية بمبلغ 20,000 شيكل (حوالي 5,000 دولار). و يقترح مشروع القانون الثاني الذي يرعاه حزب وزير الخارجية أفيغادور ليبرمان اليميني شديد التطرف "يسرائيل بيتنا" ضريبة قدرها 45% على كافة التبرعات القادمة من حكومات أجنبية إلى المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية.

تستهدف مشاريع القوانين هذه دون أدنى شك المنظمات اليسارية، حيث أن المنظمات اليمينية غير الحكومية في إسرائيل توَّل إما من قبل مانحين شخصيين أو من جانب الحكومة الإسرائيلية نفسها. وهي تشكّل مثالاً لتطورات مثيرة للقلق في إسرائيل بينما يزداد المتطرفون اليمينيون ثقة وقوة. تهدد هذه القوانين كذلك بإضعاف بعض النواحي الأكثر إلهاماً واستحقاقاً للإطراء في إسرائيل. بالطبع هناك أمور لا تصدَّق تحصل في هذه الدولة لا يتم الإبلاغ عنها إلا نادراً في الإعلام. كان لي هذه السنة شرف الانضمام إلى مجتمع حقوق الإنسان في إسرائيل. ليس هذا المجتمع كبيراً، إلا أن كمية الحب الذي يتدفق من قلبه، وسعيه اليائس لتحقيق العدالة يأسرا الألباب.

صفعة قوية لحقوق الإنسان

 

الصورة د ب ا
تشكل الجماعات اليسارية والليبرالية عونا حقيقيا لللفلسطينيين في مواجهة سياسة الاستيطان

​​

تفعل المجموعة التي تقود مجتمع حقوق الإنسان في إسرائيل ذلك رغم كافة المصاعب والاحتمالات المعادية، وهي تعمل ضمن جمهور يبقى مصاباً بصدمة نتيجة لتاريخ من المعاناة وماضٍ حديث من الحافلات المتفجرة والمقاهي المحترقة، ونتيجة لذلك اضطر للتقوقع ضمن يأسه وانعدام الثقة في الجانب الآخر.

وهم يواجهون تهديدات بالعنف وأحياناً بالهجمات الجسدية من جانب المتشددين، ويسعى الجيش وقوات الشرطة أحياناً لتأخير عملهم. رغم ذلك كله فإن مجتمع حقوق الإنسان الإسرائيلي المكون من مجموعات مثل الحاخامات من أجل حقوق الإنسان (التي أنشط أنا في العمل من خلالها) والأطباء من أجل حقوق الإنسان ومنظمة "يعيش دين" الحقوقية ومنظمة بتسليم للرقابة على حقوق الإنسان وغيرها، تستمر في العمل والفوز من أجل العدالة وحقوق الإنسان على أسس يومية تقريباً، حتى ولو كانت حالات النصر هذه صغيرة مثل مساعدة مزارع فلسطيني في قطاف حصاد أشجار الزيتون التي يملكها على الجانب الآخر من جدار الفصل، أو توفير رعاية صحية مجانية للاجئين من دارفور. تقوم هذه المنظمات بتمثيل أفضل القيم الإسرائيلية برأيي، ورغم تاريخ من المعاناة والنزاع والتوتر، كان هناك دائماً تقليد إسرائيل واضح وقوي من المعارضة والانشقاق. وقد كان من بين أوائل الصهيونيين مفكرين هامين مثل مارتن بابر وجودا ماغنيس، اللذين كانا من الأنصار المفوّهين لصهيونية مبدعة إنسانية.

وهم كذلك يمثلون أفضل القيم اليهودية. من الواضح أن هناك العديد من الأساليب المختلفة لقراءة النص اليهودي. إذا كنت تبحث عن أساليب لتبرير الأفضلية اليهودية فتستطيع بالتأكيد أن تجد سطوراً وفقرات لدعم ذلك. ولكنك تستطيع بنفس السهولة أن تجد فقرات تطالبنا بالبحث عن العدالة، وأن نحب الغريب في وسطنا وأن نحب جيراننا كما نحب أنفسنا. طالما كانت الظروف التي سعى فيها مجتمع حقوق الإنسان الإسرائيلي لإنجاز عمله صعبة، ولكن كانت هناك دائماً مساحة لهم على الطاولة. إلا أن مشروعي القانون اللذين تم اقتراحهما مؤخراً في الكنيست يأخذان التهديد للمجتمع إلى مستوى جديد.

صوت العقل

الصورة د ب ا
أيضا شهدت إسرائيل احتجاجات اجتماعية...

​​ويعني ذلك بالنسبة لمنظمتي أن محاولات مثل مشروع جني محصول الزيتون، الذي ترسل فيه منظمة "الحاخامات من أجل حقوق الإنسان" مجموعات من الإسرائيليين والمتطوعين الأجانب لمساعدة المزارعين على جني محصولهم من الزيتون في المناطق المحتلة، يمكن أن يتأثر. ويمكن أن ينطبق الأمر كذلك على الآلاف من مشاريع حقوق الإنسان الأخرى التي يتم تنسيقها من قبل عشرات المنظمات المختلفة. بينما كنت أكتب هذه السطور، قرأت عنواناً إيجابياً في صحيفة هآارتس الإسرائيلية. قرر نتنياهو تجميد مشروعي القانونيين "إلى أجل غير مسمى". بناءاً على المقال، جاء قرار نتنياهو في أعقاب "ضغوط خارجية". ارتحت كثيراً لقراءة ذلك، ولكنني أدرك كذلك أن هذه ليست "نهاية سعيدة". لقد تم تأخير مشروعي القانونين هذين، ولكن توجهات إسكات مجتمع حقوق الإنسان ما زالت قوية.

أكتب هذا لخوفي من الإجراءات التي تسعى لإسكات مجتمع حقوق الإنسان. وأنا خائف كذلك لما سيحصل لإسرائيل، وهي مكان أكنّ له عميق الحب، إذا نجحت هذه الجهود. يتوجب علينا أن نرفع أصواتنا. الضغوطات الخارجية، كما يجسّدها تجميد نتنياهو لمشروعي القانونين، تعمل وتنجح. من أجل الإسرائيليين والفلسطينيين وعالم أكثر اتزاناً، يتوجب علينا أن نرفع أصواتنا، ليس "ضد" إسرائيل ككل وإنما ضد التوجهات الخطرة داخل الدولة التي تسعى لإفشال القيم التي تميز أجزاء إسرائيل التي أحبها.

 

مورييل روثمان
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011

مورييل روثمان ناشط أمريكي إسرائيلي وكاتب، وهو يقيم حالياً في القدس ممثلاً لصندوق إسرائيلي جديد/ زميل في العدالة الاجتماعية بمنصب "شاتيل"، وهو ناشط مع منظمة "حاخامات من أجل حقوق الإنسان.