الشرق الأوسط الأكثر تضررا من تغير المناخ العالمي

ضربت العالم فيضانات وأيضا اندلعت حرائق وموجات حر غير مسبوقة لم تُبقِ إلا خيارات محدودة أمام سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني من أزمة كهرباء متكررة وبلغت حرارة مناطق فيها 55 درجة مئوية صيفَ 2021. ارتفاع الحرارة يسفر عن نقص غذاء وحرائق غابات وعُلوّ مستوى البحر وحتى أزمة لاجئين.

مواطنو الشرق الأوسط يترنحون بين مطرقة الموجة الحارة وسندان نقص الوقود: حين اجتاحت موجة حارة أنحاء العالم في شهر يوليو / تموز 2021 وسبَبت حرائق غابات ودرجات حرارة مرتفعة بشكل قياسي، لم تتوفر سوى خيارات محدودة أمام سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني بالفعل من أزمات كهرباء متكررة وبلغت درجات الحرارة بها 55 درجة مئوية هذا العام 2021.

وأدى نقص الوقود وانقطاع الكهرباء الذي يعزى إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في ليبيا والعراق والسودان ولبنان إلى اضطرار المواطنين، ليس فقط للتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة لكن أيضا للبحث عن بدائل للطاقة من أجل تزويد سياراتهم ومنازلهم بالوقود.

ففي السودان لم يجد الطلاب الذين يستذكرون دروسهم استعدادا لامتحانات آخر العام الدراسي في يونيو حزيران خيارا سوى استخدام الشموع عندما كان انقطاع الكهرباء في الذروة.

ولجأ الليبيون لتبريد أجسادهم خلال موجة الحر بالسباحة في البحر المتوسط مع وصول انقطاع التيار الكهربائي في بعض الأحيان إلى 18 ساعة في اليوم في وقت لا يستطيع كثيرون منهم تحمل تكلفة مولدات الكهرباء.

وقال رب أسرة ليبي من مصراتة يدعى مرعي، لديه خمسة أطفال، "كل الحياة في ضيق، أصبحنا متطابقين في كل شي حتي عندما تأتي للبحر وبعدها أين ستذهب؟ هي نفس المشكلة، حترجع للمنزل والمنزل ما فيش كهرباء وكل شي بالكهرباء. ومع ارتفاع درجات الحرارة ومع هدا الوضع، الحياة أصبحت صعبة ومملة جدا، أصبحنا في وقت لم نعد تستطيع السيطرة حتى علي الطفل".

أما في العراق، حيث عادة ما يلوم الناس الحكومة لإخفاقها في تحديث شبكة الكهرباء، يعول الناس جزئيا على واردات الطاقة القادمة من إيران.

وأدت فترة انخفاض إمدادات الطاقة من إيران في يوليو تموز وسلسلة هجمات المتشددين المستمرة على خطوط الكهرباء إلى تفاقم أزمة الكهرباء هذا العام.

وقال حيدر عبد الله، وهو من سكان البصرة، لتلفزيون رويترز "أول شي الجو حار، وثاني شي ما عندنا كهرباء ولا ماء، وين نروح؟ لا عندنا فلوس نروح للمسابح، لا عندنا شي هنا، عندنا بس هذا الشط نجي نسبح بيه. هذه العوائل والشباب كل واحد جايب أطفاله هنا مضطرين، أول شي مرض وكورونا منتشرة وباقية الناس كلها بالحر لا أكو كهرباء، وين تروح؟ العالم ملت، هسه اتجهنا للشط نسبح بيه، وين نروح يعني؟".

وقال أحمد جاسم، خبير المناخ في جامعة البصرة، "هذه السنة أكو آثار جاية تظهر بصورة واضحة مع ارتفاع درجة الحرارة ونقص إمدادات الكهرباء ومشكلة تملح المياه. كلها هذه مشاكل جاية تؤثر على الإنسان خصوصا أن أجواء العراق هي أجواء حارة، وخصوصا الأقسام الجنوبية منها اللي تمتاز بارتفاع درجات الحرارة وارتفاع الرطوبة، فهذه تؤثر على الإنسان حتى إنه تؤثر على الناحية النفسية، من الناحية الجسدية، تظهر عندنا العديد من الأمراض، الإجهاد، الإعياء، كلها هذه الأمور جاية تؤثر على الإنسان".

وفي لبنان تعني الأزمات المتعددة أن زيت الوقود المستخدم لتشغيل جزء كبير من البلاد قد نفد تقريبا أيضا مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة وترك أثره على المدنيين والشركات والمستشفيات.

ووفقا لتقرير حديث أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، فإن ارتفاع درجات الحرارة يجلب العديد من المشاكل، بينها نقص الغذاء والحرارة الشديدة وحرائق الغابات وارتفاع مستوى سطح البحر و"أزمة لاجئين" محتملة وتأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي والتنوع البيولوجي.

ومع اتجاه العالم لخفض الانبعاثات الكربونية وتحقيق الأهداف المرجوة بالنسبة للمناخ، يريد المدنيون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تنقضي فترة الصيف فقط. وحتى بعد قدوم وانقضاء الموجة الحارة فإن أجزاء المنطقة ما زالت تعاني من انقطاع الكهرباء.

وقال العراقي محمد عباس، الذي يقدم خدمة مولدات كهرباء في بغداد، "والله تأذينا أول شي يعني العطلات إضافة إلى ارتفاع أسعار قطع الغيار مال المولدات بسبب ارتفاع الدولار وارتفاع أسعار الجاز، تأذينا كلش بهاي الصيفية، وكل ما نقول هذا الصيف أحسن، إنه بيجي أتعس هذا الصيف".

 

الجفاف وشح المياه صورة رمزية  Symbolbild Duerre Fotp Picture Alliance
يقول خبراء إنه لا توجد منطقة في العالم أكثر انغماسا في عواقب تغير المناخ العالمي من الشرق الأوسط: فالمنطقة بالفعل فقيرة بشدة في المياه، حيث أن في الشرق الأوسط تسع دول من الدول العشرة الأكثر فقرا بالنسبة للمياه والجفاف يدفع المزارعين بعيدا عن أراضيهم. والمدن الساحلية العديدة في المنطقة مهددة بارتفاع مستوى سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة في الصيف يتضافر بشكل متزايد مع الرطوبة لتعريض بقاء الإنسان للخطر. وبالتالي فإن الشرق الأوسط متأصل في جانبي قضية تغير المناخ. ومع تغير أنماط الاستهلاك العالمي، سوف يتغير الشرق الأوسط تغيرا عميقا. ومع تغير المناخ، سيتغير الشرق الأوسط تغيرا عميقا أيضا.

 

تحليل: الشرق الأوسط على أعتاب ثورة في مجال الطاقة وسط تغيرات المناخ "غير المسبوقة

 

يواجه العالم 2021 تقلبات شديدة في أحوال الطقس ما بين فيضانات عارمة وهطول غزير للأمطار وارتفاع قياسي في درجات الحرارة وحرائق غابات، وتشير أصابع الاتهام في ذلك كله إلى مصدر وحيد وهو تغير المناخ، الذي تدفعه الانبعاثات الكربونية في الهواء.

ويلقي هذا الوضع بظلاله على منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص كونها تنتج وتستهلك قدرا كبيرا للغاية من الوقود الأحفوري المسبب للانبعاثات الكربونية التي تؤدي بدورها إلى تغير المناخ.

ووصف تقرير أممي أعدته لجنة علمية تابعة للأمم المتحدة التغيرات التي حدثت للمناخ بأنها "غير مسبوقة"، معتبرا أن المسؤول عن تغيرات المناخ بشكل "مؤكد" هم البشر، ودعا إلى إجراء تخفيضات جذرية في الانبعاثات من أجل الحفاظ على درجة الحرارة العالمية أقل من الحدود التي نصت عليها في اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015.

وجاء في التقرير الصادر يوم الإثنين 09 / 08 / 2021 عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" أن "نطاق التغيرات الأخيرة في جوانب النظام المناخي ككل والحالة الراهنة للعديد من جوانب النظام المناخي غير مسبوقة منذ قرون أو عدة آلاف من السنين".

وأكد واضعو التقرير أنه في ضوء الأدلة المتاحة، فإن لديهم "ثقة عالية" في أن تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كانت أعلى في عام 2019 مما كانت عليه في أي مرحلة خلال مليوني عام على الأقل، كما أن درجة حرارة سطح الأرض "ارتفعت منذ عام 1970 بشكل أسرع مقارنة بأي 50 عاما أخرى خلال الألفي عام الماضية على الأقل".

وقام 234 خبيرا من 66 دولة بكتابة التقرير الذي يعد الأكثر شمولا الذي تصدره اللجنة التابعة للأمم المتحدة منذ عام 2013. وأوضح التقرير أن العديد من آثار تغير المناخ لم يعد من الممكن تجنبها في هذا الوقت.

وفي هذا الإطار، يقول المحلل الأمريكي جون الترمان نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومدير برنامج الشرق الأوسط ومدير كرسي بريجنسكي للأمن العالمي والاستراتيجي، إنه لا توجد منطقة في العالم أكثر انغماسا في عواقب تغير المناخ العالمي من الشرق الأوسط.

وتمثل المنطقة نحو 30% من الإنتاج العالمي للنفط، وتعتبر عائدات النفط قاطرة الإيرادات الحكومية في المنطقة، إما لأن الدول تنتج النفط، أو لأن الدول تنتج قوة عاملة تعمل في البلدان المصدرة للنفط وترسل الأموال إلى وطنها. وبسبب عائدات النفط، تستطيع حكومات الشرق الأوسط توظيف أعداد كبيرة من سكانها، وهي تفعل ذلك. ومع تحول العالم عن النفط كمصدر للطاقة، فإن اقتصاديات الشرق الأوسط سوف تتغير بشكل عميق.

ويضيف ألترمان في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أنه في الوقت نفسه، فإن الشرق الأوسط عرضة لعواقب تغير المناخ. فالمنطقة بالفعل فقيرة بشدة في المياه، حيث أن في الشرق الأوسط تسع دول من الدول العشرة الأكثر فقرا بالنسبة للمياه. فالجفاف يدفع المزارعين بعيدا عن أراضيهم، والمدن الساحلية العديدة في المنطقة مهددة بارتفاع مستوى سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة في الصيف يتضافر بشكل متزايد مع الرطوبة لتعريض بقاء الإنسان للخطر.

وبالتالي فإن الشرق الأوسط متأصل في جانبي قضية تغير المناخ. ومع تغير أنماط الاستهلاك العالمي، سوف يتغير الشرق الأوسط تغيرا عميقا. ومع تغير المناخ، سيتغير الشرق الأوسط تغيرا عميقا أيضا.

ويضيف أن استهلاك البلدان النامية للطاقة يرتفع ارتفاعا حادا مع زيادة الدخول، ومن المرجح أن تعتمد على المعدات والتكنولوجيا القائمة لفترة أطول. وفي حين يستطيع الأثرياء إنفاق الآلاف على المنتجات الخضراء، فإن النفط والغاز سيظلان بالنسبة للكثير من سكان العالم الوقود المتاح بأسعار معقولة.

ولكن حكومات الشرق الأوسط قد لا تكون مستعدة لخفض إنتاجها من النفط. ومن شأن الانخفاض المستمر في الاستهلاك العالمي، مهما كان صغيرا، أن يضغط على دول الخليج لزيادة الإنتاج في محاولة لطرد المنتجين الأعلى تكلفة من السوق وضمان عدم تركهم مع براميل أقل قيمة في الأرض عندما ينخفض الاستهلاك أكثر.

ويقول الترمان إن الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط كانت تستعد لعالم ما بعد النفط لسنوات، لكنها لا تزال بعيدة عن أهدافها. وفي دول الخليج، ستكون هناك حاجة لسنوات ليتم الانتقال من واقع العمال ذوي الإنتاجية العالية والأجور المنخفضة الذين يدعمون جهود العمال ذوي الإنتاجية المنخفضة، والأجور العالية.

و يختتم الترمان تقريره بأن التحول في مجال الطاقة سيكون مهما لأكثر من مجرد الشرق الأوسط. فأمن الطاقة هو المحرك للكثير من استثمارات الصين الأخيرة في المنطقة. وإذا قررت الحكومة الصينية أن أمن الطاقة فيها مستمد من المناجم في إفريقيا وليس من الآبار في الشرق الأوسط، فينبغي لنا أن نتوقع تحول الاهتمام ورأس المال الصينيين. وإذا كان هناك دور أكثر ديمومة للنفط والغاز في صورة الطاقة العالمية، فمن الممكن المزيد من التنافس بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الإقليمي. وأخيرا، من الممكن أن تبتعد الدول الغربية عن الهيدروكربونات لأسباب بيئية، في حين تظل الصين والعالم النامي مكرسين لها لأسباب اقتصادية. وقد يتجلى ذلك تقريبا في تخلي الولايات المتحدة عن دورها المستقبلي في الشرق الأوسط، مع اقتناص الصين الكثير من جوانب هذا التراخي.

 

دراسة: تغير المناخ يزيد احتمالية الهطول الغزير للأمطار والفيضانات

 

ذكرت دراسة نُشرت يوم الثلاثاء 24 آب/أغسطس 2021 أن تغير المناخ يزيد من احتمال هطول أمطار غزيرة وبالتالي حدوث فيضانات مثل تلك التي ضربت غربي ألمانيا الشهر الماضي.

وبالنظر إلى الظروف المناخية الحالية، يمكن توقع أن تتعرض منطقة في أوروبا الغربية لمثل هذا الحدث المدمر مرة واحدة كل 400 عام، حسبما اكتشف فريق دولي يضم علماء.

ومع استمرار ارتفاع متوسط درجات الحرارة، تصبح الأمطار الشديدة أكثر تواترا. وإذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 8ر0 درجة مئوية أخرى، فإن التواتر سيرتفع إلى كل 300 سنة، كما ستزداد شدة الأمطار الغزيرة.

ونظر العلماء في منطقة تشمل فرنسا وغربي ألمانيا والجزء الشرقي من بلجيكا، وهولندا ولكسمبورغ وشمال سويسرا وسألوا عن مدى احتمال تعرض المنطقة بأكملها لأمطار غزيرة شديدة وإلى أي مدى تأثر ذلك بارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم.

وزاد احتمال وقوع مثل هذه الكوارث بعامل يتراوح بين 2ر1 و 9 مقارنة بنهاية القرن التاسع عشر، ويزيد الحد الأقصى لكمية الأمطار بنسبة تتراوح بين 3 و 19%.

 

الأمم المتحدة : تغير المناخ في اليمن تسبب في ارتفاع نسبة الوفيات وأعداد النازحين

 

وقالت منظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يوم الخميس 19 آب/أغسطس 2021 إن التعرض للأخطار الطبعية والسيول والجفاف في اليمن، أدى إلى تدمر المساكن والبنية التحتية وتقيد الوصول إلى الأسواق والخدمات الأساسية وتقويض سبل العيش وتسهيل انتشار الأمراض المميتة وارتفاع الوفيات، وكذلك ساهم في نزوح السكان.

 وأضافت المنظمة الدولية في بيان تلقت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، نسخة منه، تزامنا مع اليوم العالمي للعمل الإنساني أن "62 ألف و 500 أسرة تضررت العام الماضي 2020، بسبب الأحوال الجوية السيئة، بينما تضررت بالفعل آلاف الأسر الأخرى في العام الجاري 2021".

 وتابعت "وبسبب إغلاق المرور في الطرق، تستمر السيول أيضا في إعاقة قدرة شركاء العمل الإنساني في تقديم المساعدات المنقذة للأرواح إلى السكان المحتاجين".

 وقال ديفيد جريسلي، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن: "في ذكرى اليوم العالمي للعمل الإنساني، نضم أصواتنا إلى أصوات زملائنا حول العالم للتأكيد على أن الأزمة المناخية ھي أزمةٌ إنسانية. ويجب اتخاذ الإجراءات العاجلة لمعالجة جدية وھادفة لمشكلة التغير المناخي، وكذا للتخفيف من الكلفة الإنسانية والبيئية الناجمة عن الأزمة المناخية، مالم يتم هذا، فإن أولئك الأشدّ ضعفا بيننا ھم من سيدفع مرة أخرى ثمنا غالياً".

ووفقا للمنظمة، فقد أصبح خمسة ملايين شخص في اليمن على شفا المجاعة، حيث أصبح البلد يكافح في ظل تزايد الانعدام الغذائي وتزايد سوء التغذية وما يرتبط بذلك من وفيات، فضلا عن الآثار طويلة الأمد التي لا يمكن تداركها على نشأة الطفل ونموه.

وتوقعت المنظمة، أن يعاني أكثر من 25ر2 مليون طفل دون سن الخامسة وأكثر من مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد هذا العام 2021.

وأردفت "مع استنفاد مصادر المياه ببطء والتصحر الناجم عن الضغوط الزراعية، أصبح وضع الأمم الغذائي الهش أصلًا مهددا بشكل أكبر بسبب الجفاف المتكرر وتغير المناخ، مما سيؤثر سلباً على توافر الأراضي الصالحة للزراعة والحصول على مياه شرب آمنة".

حرائق الجزائر أتت على أكثر من 5000 هكتار من الأشجار المثمرة

 

حرائق غير مسبوقة ضربت عدة أجزاء من الجزائر Unwetter extrem weltweit Algerien Foto Reuters
ارتفاع درجات الحرارة يجلب العديد من المشاكل: اجتاحت موجة حارة أنحاء العالم في صيف 2021 وسبَبت حرائق غابات ودرجات حرارة مرتفعة بشكل قياسي، لم تتوفر سوى خيارات محدودة أمام سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني بالفعل من أزمات كهرباء متكررة وبلغت درجات الحرارة بها 55 درجة مئوية هذا العام 2021. يقول الخبراء إن ارتفاع درجات الحرارة يجلب العديد من المشاكل، بينها نقص الغذاء والحرارة الشديدة وحرائق الغابات وارتفاع مستوى سطح البحر و"أزمة لاجئين" محتملة وتأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي والتنوع البيولوجي. ويربط عدد كبير من العلماء بين الاحترار المناخي الناجم عن النشاط البشري وحصول بشكل متزايد حوادث مناخية شديدة كالفيضانات والحرائق. في الصورة: حرائق غير مسبوقة ضربت عدة أجزاء من الجزائر.

 

وتسببت الحرائق التي اجتاحت شمال الجزائر منتصف آب/أغسطس في إتلاف أكثر من 5000 هكتار من الأشجار المثمرة غالبيتها من أشجار الزيتون في تيزي وزو، إضافة إلى 19000 رأس من الحيوانات، بحسب حصيلة أولية نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية.

وذكرت الوكالة نقلا عن مديرية المصالح الفلاحية لولاية تيزي وزو أن"من بين 5193 هكتارا من الأشجار المثمرة التي التهمتها الحرائق، 4500 منها بساتين لأشجار الزيتون" التي تشتهر بها منطقة القبائل الرائدة في إنتاج زيت الزيتون والأكثر تضررا من حرائق الغابات.

ولا تشمل هذه الحصيلة سوى 60 بالمئة من مجمل الخسائر التي تم تقييمها في الحصيلة الأولية بحسب المصدر نفسه.

كما فقد مزارعو تيزي وزو 19178 حيوانا منها نحو 15 ألف دجاجة إضافة إلى 1300 رأس غنم و295 رأس بقر.

أما في ما يخص خسائر الغابات فكانت وكالة الفضاء الجزائرية تحدثت عن رصد احتراق نحو 23 ألف هكتار في تيزي وزو و6 آلاف في بجاية في منطقة القبائل.

وأطلقت جمعيات ومنظمات خيرية مبادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لغرس 1,5 مليون شجرة لتعويض الغابات المحترقة، إلا أن مديرية الغابات دعت إلى التريث حتى بداية تشرين الأول/أكتوبر، وغرس الأشجار في الغابات التي احترقت في 2020 وليس 2021.

وشملت الحرائق الهائلة التي استعرت في 2021 العام الحالي 9 آب/أغسطس 26 من أصل 58 ولاية في الجزائر، متسببة في مقتل 90 شخصا على الأقل، بينهم 33 جنديا، بحسب تقارير مختلفة للسلطات المحلية ووزارة الدفاع.

وتتمتع الجزائر، وهي أكبر بلد في إفريقيا، بـ 4,1 ملايين هكتار من الغابات، مع معدل إعادة تشجير ضئيل يبلغ 1,76 في المئة.

ويتأثر شمال البلاد كل عام بحرائق الغابات لكن هذه الظاهرة تتفاقم. وعام 2020، دمّرت الحرائق قرابة 44 ألف هكتار من الغابات وهو رقم يتم تجاوزه بشكل كبير في العام 2021.

 

حرارة قياسية في تونس وحرائق في غابات غرب البلاد

 

وسجلت ولايات في تونس يوم الأربعاء 11 / 08 / 2021 أرقاما قياسية جديدة في درجات الحرارة مع تواصل موجة الحر الشديد في أنحاء البلاد أرغمت العديد على ملازمة البيوت.

وشهدت ولاية القيروان (وسط تونس) أعلى درجة حرارة اليوم بلغت 8ر48 درجة في الظل لتحطم بذلك رقمها السابق في 18 آب/أغسطس عام 1960 حينما شهدت درجة حرارة في حدود 1ر48.

كما بلغت درجة الحرارة في صفاقس في اليوم ذاته 8ر45 لتتجاوز بذلك رقمها السابق 7ر45 المسجل سنة  في 2 آب/أغسطس عام 2005.

وكانت خمس ولايات سجلت في اليوم السابق أرقاما قياسية في درجات الحرارة بلغت أقصاها 9ر48 في تونس العاصمة وبنزرت وزغوان والمنستير وباجة.

وقال رئيس قسم التوقعات الجوية بالمعهد الوطني للرصد الجوي محرز الغنوشي إن ست مدن الأشد حراراة في أفريقيا كانت من تونس في اليوم السابق، بينما تواجدت تونس في المرتبة الرابعة عالميا للمناطق الأشد الحرارة بتسجيلها درجة قصوى بلغت 9ر48 درجة في الظل.

وتسبب الحر الشديد في انقطاعات متكررة للكهرباء منذ اليوم السابق مع

تسجيل ضغط كبير على استخدام مكيفات التبريد كما عرفت بعض المناطق تعطل شبكات توزيع المياه.

وقالت الحماية المدنية إنها تعاملت في اليوم السابق مع أكثر من 10 حرائق اندلعت في بنزرت وجندوبة والكاف.

وكافحت وحدات الإطفاء لإخماد حريق كبير اندلع يوم الأربعاء 11 / 08 / 2021 في غابات ولاية جندوبة غرب البلاد قرب الحدود الجزائرية التي تشهد حرائق ضخمة.

وأخلت وحدات الحماية المدنية السكان والمواشي في مناطق القريبة تحسبا لامتداد الحرائق.

فيضانات ضخمة في تركيا بعد الحرائق

وأخلت السلطات التركية الأربعاء 11 / 08 / 2021 مستشفى وكانت تبحث عن امرأة مفقودة بعد أمطار غزيرة تسببت بفيضانات هائلة وانهيارات ترابية في شمال تركيا.

وجاءت هذه الكارثة الطبيعية التي ضربت عدة مناطق تطلّ على البحر الأسود، في وقت تتعافى فيه تركيا من حرائق ضخمة أودت بحياة ثمانية أشخاص في منطقة الجنوب السياحية.

وأوضح وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة أنه تمّ نقل 45 مريضاً من مستشفى في محافظة سينوب إلى مستشفى آخر بسبب ارتفاع مستوى المياه.

وأظهرت صور نشرتها السلطات المحلية على تويتر مسعفين ينقلون مرضى على متن قوارب مطاطية في شارع غارق بالمياه.

قال وزير الزراعة والغابات بكر باك دميرلي "إنها كارثة لم نعش مثلها منذ 50 أو مئة عام ربما. لقد سجّلنا في بعض الأماكن متساقطات قياسية".

في محافظة بارتين نحو الغرب، كان المسعفون يبحثون عن امرأة ثمانينية جرفتها المياه بعد انهيار منزلها، وفق ما أعلنت الحكومة المحلية. وتوفي شخص جراء نوبة قلبية في هذه المحافظة.

وتسببت الأمطار الغزيرة أيضاً بانهيارات أرضية أدى أحدها إلى انهيار جسر بشكل جزئي، بحسب وزير الصحة. ونُقل ثمانية أشخاص إلى المستشفى.

في محافظة كاستامونو، غرقت شوارع كاملة تحت سيول من المياه الوحلية جرفت عشرات السيارات والإشارات المرورية، بحسب ما ظهر في مقطع فيديو نشرته وكالة الأنباء التركية الخاصة "ديميرورين" (دي إتش إيه).

وقال وزير الداخلية سليمان صويلو أمام الصحافة إن "المياه بلغت ارتفاعاً وصل إلى ثلاثة أو أربعة أمتار في بعض الأماكن ولجأ مواطنون إلى أسطح المباني".

وأضاف أن "مروحيات تتوجه من محافظات مجاورة إلى المناطق المنكوبة".

وتسببت بهذه الفيضانات أمطار قوية بدأت مساء الثلاثاء 10 / 08 / 2021 وتواصلت خلال الليل.

وشهدت المناطق المنكوبة في شمال وشمال شرق تركيا بشكل منتظم فيضانات مميتة.

ويربط عدد كبير من العلماء بين الاحترار المناخي الناجم عن النشاط البشري وحصول بشكل متزايد حوادث مناخية شديدة من هذا النوع.

وشهدت تركيا في الأشهر الأخيرة كوارث طبيعية عدة، خصوصاً فترات جفاف شديد وحرائق غابات كبيرة بين أواخر تموز/يوليو ومطلع آب/أغسطس 2021.

بعد سلسلة الأحداث القاتمة، حضّ مسؤولون سياسيون وجمعيات الحكومة على اتخاذ تدابير جذرية لخفض انبعاثات غازات الدفيئة.

ولم تصادق تركيا على اتفاق باريس حول المناخ في عام 2015.

علماء المناخ يوجهون إنذارًا والأمم المتحدة تحذر: العالم يختنق

وتوقع تقرير صادر عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة (أغسطس / آب 2021) أن يرتفع الاحترار العالمي بمعدل 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية قرابة العام 2030، أي قبل عشر سنوات من آخر التقديرات التي وضعت قبل ثلاث سنوات، ما يهدد بحصول كوارث جديدة "غير مسبوقة" في العالم الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية.

قبل أقل من ثلاثة أشهر من مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (كوب 26) في غلاسكو، نُشر الجزء الأولى من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يوم الإثنين 09 / 08 / 2021 وجاء فيه إن البشر مسؤولون "بشكل لا لبس فيه" عن الاضطرابات المناخية و"ليس لديهم خيار سوى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كبير" إن أرادوا الحد من التداعيات.

وهذا التقرير التقييمي الأول منذ سبع سنوات والذي أقره الجمعة 06 / 08 / 2021 موفدو 195 بلدا، يستعرض خمسة سيناريوهات لانبعاثات غازات الدفيئة، من الأكثر تفاؤلا إلى الأكثر تشاؤما.

وفي كل الحالات، يصل الاحترار العالمي قرابة العام 2030 إلى 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعة، أي قبل عشر سنوات من التقدير السابق للهيئة في العام 2018.

وبحلول العام 2050، ستستمر الزيادة فوق هذه العتبة، وهي أحد حدود اتفاق باريس للمناخ، حتى لو نجح العالم في الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الدفيئة.

وإذا لم تخفّض هذه الانبعاثات بشكل حاد، سيتم تجاوز عتبة درجتين مئويتين خلال القرن الحالي. ويعني هذا الأمر فشل اتفاق باريس المبرم العام 2015 والذي يوصي بضرورة حصر الاحترار بأقل من درجتين مئويتين، لا بل 1,5 درجة إذا أمكن.

وفيما ارتفعت حرارة الكوكب 1,1 درجة مئوية حتى الآن، يشهد العالم العواقب المترتبة على ذلك، من الحرائق التي تجتاح الغرب الأميركي واليونان وتركيا مرورا بالفيضانات التي غمرت بعض المناطق الألمانية والصينية وصولا إلى تسجيل درجات حرارة قياسية في كندا وصلت إلى 50 درجة مئوية.

وقالت إنغر أندرسن مديرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة "تكلموننا منذ أكثر من 30 عاما عن مخاطر احترار الكوكب. العالم سمع لكنه لم يصغِ. لا أحد بمأمن والوضع يزداد سوءا وبسرعة متزايدة".

فحتى مع زيادة من 1,5 درجة مئوية، ستزداد موجات القيظ والفيضانات وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة بطريقة "غير مسبوقة" من حيث الحجم والوتيرة والفترة من السنة التي تضرب فيها المناطق المتضررة، كما حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

وقال عالم المناخ ديف رياي "هذا التقرير يجب أن يخيف أي شخص يقرأه ... إنه يظهر إلى أين وصلنا وإلى أين نحن ذاهبون مع تغير المناخ: إلى حفرة نواصل تعميقها".

وفي مواجهة هذا المستقبل القاتم، تتكاثر الدعوات إلى التحرك وتتوجه الأنظار إلى غلاسكو حيث سيتجمع قادة العالم في تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي تستضيف بلاده مؤتمر الأطراف "نعرف ما ينبغي علينا القيام به للحد من الاحترار المناخي أي أن نتخلى عن الفحم وننتقل إلى مصادر الطاقة المتجددة وحماية الطبيعة وتمويل المناخ".

وأكد الموفد الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري "لا يمكننا الانتظار ... على كل الدول اتخاذ تدابير جريئة" في حين رأت المفوضية الأوروبية "أن الوقت لم يفت من أجل لجم هذا الاتجاه".

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن هذا التقرير "يجب أن يعلن نهاية الفحم ومصادر الطاقة الأحفورية قبل أن تدمر كوكبنا" معتبرا أن مصادر الطاقة هذه وقطع أشجار الغابات "تخنق الكوكب".

وفي حين ينبغي خفض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون إلى النصف بحلول 2030 للبقاء ضمن 1,5 درجة مئوية، قال غوتيريش "لا يمكننا الانتظار ولا مجال للأعذار" بعد هذا "الإنذار الأحمر للبشرية".

لكن في هذه المرحلة، راجعت نصف الحكومات فقط التزاماتها الخاصة بانبعاثات غازات الدفيئة. وستؤدي سلسلة الالتزامات السابقة التي تم التعهد بها عقب اتفاق باريس، إلى ارتفاع حرارة الكوكب 3 درجات مئوية، إذا تم احترامها، لكن بالمعدل الحالي، يتجه العالم أكثر نحو 4 درجات مئوية أو خمس.

وفي خضم توقعاتها القاتمة، تحدثت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن أمل يجب التشبث به.

فوفق أفضل السيناريوهات، يمكن أن تنخفض الحرارة إلى ما دون 1,5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، من خلال خفض الانبعاثات بشكل كبير وامتصاص كمية من ثاني أكسيد الكربون تزيد عن الانبعاثات. لكن التقنيات التي تسمح بسحب ثاني أكسيد الكربون من الجو على نطاق واسع لا تزال في مرحلة البحث، كما أشارت الهيئة.

ويتناول الجزء الثالث من التقرير الحلول المحتملة للحد من الانبعاثات ويتوقع صدوره في آذار/مارس 2022.

ويشمل الجزء الثاني من التقرير تداعيات تغير المناخ ومن المقرر أن ينشر في شباط/فبراير 2022 وهو يوضح كيف ستتغير الحياة على الأرض بشكل حتمي في غضون ثلاثين عاما، أو حتى قبل ذلك، وفق نسخة تمهيدية حصلت عليها وكالة فرانس برس.

وأكد التقرير أن بعض عواقب الاحترار المناخي "لا يمكن عكس اتجاهها" على أي حال. وتحت تأثير ذوبان الجليد القطبي، سيستمر مستوى المحيطات في الارتفاع "لقرون، بل لآلاف السنين". أما البحار التي ارتفعت مستوياتها 20 سنتيمترا منذ العام 1900، فما زال من الممكن أن ترتفع بحوالى 50 سنتيمترا بحلول العام 2100.

وللمرة الأولى، تشير الهيئة إلى "عدم القدرة على استبعاد" حدوث "نقاط تحول" ، مثل ذوبان الغطاء الجليدي في أنتاركتيكا أو موت الغابات، ما قد يؤدي إلى تغيير جذري للنظام المناخي وغير قابل للعلاج.

لكن هذا ليس سببا للتخلي عن المعركة ضد ظاهرة تغير المناخ، بل على العكس، وفق علماء وناشطين، لأن كل جزء من درجة مئوية يؤثر على الوضع بأكمله ويعزز التداعيات.

وقالت الناشطة الشابة غريتا تونبرغ في تغريدة "علينا أن نتحلى بالشجاعة وأن نتخذ قرارات ترتكز على أدلة علمية. لا يزال بإمكاننا تجنب أسوأ العواقب لكن لن يحصل ذلك إذا استمررينا على النهج ذاته ولم نتعامل مع الأزمة على أنها أزمة".

خمسة سيناريوهات للمستقبل في تقرير الأمم المتحدة عن المناخ

ويطرح تقرير لجنة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ الذي صدر يوم الإثنين 9 أغسطس آب 2021 خمسة سيناريوهات محتملة للمستقبل.

والسيناريوهات الخمسة نتاج حسابات معقدة تعتمد على مدى السرعة التي سيحد بها البشر من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

غير أن المقصود بهذه الحسابات أيضا رصد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في مجالات مثل السكان والكثافة العمرانية والتعليم واستخدام الأراضي والثروة.

فمن المفترض أن تؤدي زيادة السكان على سبيل المثال إلى ارتفاع الطلب على الوقود الأحفوري والمياه. ومن الممكن أن يؤثر التعليم على وتيرة التطورات التكنولوجية. كذلك فالانبعاثات تزيد عندما يتحول استخدام الأراضي من الغابات إلى النشاط الزراعي.

وقد تم تصنيف كل من السيناريوهات لتحديد مستوى الانبعاثات وما يطلق عليه المسار الاجتماعي الاقتصادي المشترك (إس.إس.بي) المستخدم في هذه الحسابات.

وفيما يلي شرح لكيفية فهم كل سيناريو من السيناريوهات الخمسة:

 

أودت الفيضانات التي ضربت أوروبا وأجزاء من ألمانيا 2021 بعد هطول أمطار غريزة بحياة العشرات. Deutschland Unwetter B265 bei Erftstadt Blessem Foto Getty Images
يقول الخبراء إن المناخ يتغيّر أسرع من المتوقع بسبب الأنشطة البشرية: توقع تقرير صادر عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة (أغسطس / آب 2021) أن يرتفع الاحترار العالمي بمعدل 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية قرابة العام 2030، أي قبل عشر سنوات من آخر التقديرات التي وضعت قبل ثلاث سنوات، ما يهدد بحصول كوارث جديدة "غير مسبوقة" في العالم الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية. وجاء فيه إن البشر مسؤولون "بشكل لا لبس فيه" عن الاضطرابات المناخية و"ليس لديهم خيار سوى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كبير" إن أرادوا الحد من التداعيات. في الصورة: أودت الفيضانات التي ضربت أوروبا وأجزاء من ألمانيا 2021 بعد هطول أمطار غريزة بحياة العشرات.

 

فك الشفرة لسيناريوهات المستقبل الخمسة:

إس.إس.بي1-1.9: أكثر سيناريوهات اللجنة المعنية بالمناخ تفاؤلا وهو يصف عالما تنخفض فيه انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون عالميا إلى الصفر الصافي نحو العام 2050. وفيه تتحول المجتمعات إلى

ممارسات أكثر استدامة مع تحول التركيز من النمو الاقتصادي إلى المصلحة العامة. وتزيد فيه الاستثمارات في التعليم والصحة. وتتراجع التفاوتات. وتظل الظواهر الجوية المتطرفة أكثر شيوعا لكن العالم يتفادي أسوأ تداعيات التغير المناخي.

وهذا السيناريو الأول هو الوحيد الذي يفي بهدف اتفاقية باريس في إبقاء الزيادة في درجة الحرارة على مستوى العالم عند نحو 1.5 درجة مئوية أعلى من مستوياتها قبل الثورة الصناعية، على أن تصل

الزيادة إلى 1.5 درجة مئوية ثم تتراجع وتستقر حول 1.4 درجة مئوية بنهاية القرن الحالي.

إس.إس.بي1-2.6: في ثاني أفضل السيناريوهات تنخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بشدة لكن بسرعة أقل لتصل إلى الصفر الصافي بعد

العام 2050. وهذا السيناريو قائم على ذات التحولات الاجتماعية والاقتصادية صوب الاستدامة الواردة في السيناريو الأول. غير أن

درجات الحرارة تستقر حول زيادة قدرها 1.8 درجة مئوية بنهاية القرن.

إس.إس.بي2-4.5: هذا هو سيناريو "منتصف الطريق" وفيه تتأرجح انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حول مستوياتها الحالية قبل أن تبدأ في التراجع في منتصف القرن لكنها لا تصل إلى الصفر الصافي بحلول العام 2100. وفيه تتبع العوامل الاجتماعية والاقتصادية اتجاهاتها

التاريخية دون تحولات تستحق الذكر. ويتسم ما يتحقق من تقدم باتجاه الاستدامة بالبطء وفي الوقت نفسه تكبر التفاوتات في التنمية والدخل. وفي هذا السيناريو ترتفع درجات الحرارة 2.7 درجة مئوية بنهاية القرن.

إس.إس.بي3-7.0: في هذا المسار ترتفع الانبعاثات ودرجات الحرارة باطراد وتزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لمثلي المستويات الحالية تقريبا بحلول عام 2100. ويتزايد التنافس فيما بين الدول مع التركيز على الأمن الوطني وضمان الإمدادات الغذائية لشعوبها. وبنهاية القرن ترتفع درجات الحرارة 3.6 درجة مئوية في المتوسط.

إس.إس.بي5-8.5: هذا السيناريو يجب العمل على تحاشيه بأي ثمن. ففيه ترتفع مستويات انبعاث ثاني أكسيد الكربون إلى مثليها تقريبا بحلول 2050. وينمو الاقتصاد العالمي بوتيرة سريعة ويغذي هذا النمو استغلال أنواع الوقود الأحفوري وأساليب عيش تقوم على استخدام كثيف للطاقة. وبحلول العام 2100 ترتفع درجات الحرارة العالمية 4.4 درجة مئوية في المتوسط.

الخلاصة

تقرير المناخ لا يحدد لنا أرجح السيناريوهات فهذا ستحدده عوامل من بينها سياسات الحكومات. لكنه يوضح الكيفية التي ستؤثر بها الاختيارات الآن في المستقبل.

وفي كل سيناريو من السيناريوهات سيستمر ارتفاع درجات الحرارة بضع عقود على الأقل. وسيستمر الارتفاع في مستوى مياه البحار لمئات أو آلاف السنين وستختفي الثلوج البحرية فعليا في الدائرة القطبية الشمالية في واحد على الأقل من فصول الصيف خلال الثلاثين عاما المقبلة.

لكن مدى سرعة ارتفاع مستوى البحار ومدى خطورة الظواهر الجوية سيتوقف على المسار الذي يختار العالم السير فيه.

التوقعات المناخية الجديدة تثير سلسلة من ردود الفعل

وأثار تقرير خبراء الأمم المتحدة "المخيف" حول المناخ سلسلة من ردود الفعل راوحت بين الأمل بإمكان إبطاء الكارثة من خلال التحرك فورا، والدعوات إلى تعبئة المواطنين لمواصلة الضغوط.

وقالت إنغر اندرسن مديرة برنامج لأمم المتحدة للبيئة "تكلموننا منذ أكثر من 30 عاما عن مخاطر احترار الكوكب. العالم سمع لكنه لم يصغِ. العالم سمع لكنه لم يتحرك بقوة كافية. نتيجة لذلك المشكلة التي يمثلها التغير المناخي باتت هنا الآن. لا أحد بمأمن والوضع يزداد سوءا وبسرعة متزايدة".

ورأى رئيس المالديف السابق محمد نشيد باسم منتدى "كلايميت فالنربل فوروم" الذي يمثل مليار شخص في 48 بلدا "هذا التقرير مدمر للدول الضعيفة بإزاء التغير المناخي لأنه يؤكد أننا بتنا على شفير الاندثار".

وشدد نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانز تيمرمانس في تغريدة "لم يفت الأوان للجم هذا الميل ومنع الاضطرابات الخارجة عن السيطرة الناجمة عن التغير المناخي شرط أن نتحرك جميعا بعزم الآن".

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي تستضيف بلاده مؤتمر الأطراف السادس والعشرين الحاسم في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 "نعرف ما ينبغي علينا القيام به للحد من الاحترار المناخي، أي أن نتخلى عن الفحم وننتقل إلى مصادر الطاقة المتجددة وحماية الطبيعة وتمويل المناخ".

وأكد الموفد الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري "لا يمكننا الانتظار ... على كل الدول اتخاذ تدابير جريئة".

وحض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على التوصل إلى "اتفاق يستجيب للحال الطارئة" خلال مؤتمر كوب26، معتبرا أن "وقت الاستياء بات خلفنا".

وقالت وزيرة الخارجية المستقيلة في هولندا سيغريد كاغ "نحن الجيل الأخير من السياسيين الذين يمكنهم حماية نمط عيشنا. الآن أو أبدا".

لكن سلام الحق مدير المركز الدولي للتغير المناخي ومقره في بنغلادش رأى أن "فقاعة الوعود الفارغة على وشك أن تنفجر".

وقالت الناشطة الشابة غريتا تونبرغ في تغريدة "علينا أن نتحلى بالشجاعة وأن نتخذ قرارات ترتكز على أدلة علمية. لا يزال بإمكاننا تجنب أسوأ العواقب لكن لن يحصل ذلك إذا استمررنا في النهج ذاته ولم نتعامل مع الأزمة على أنها أزمة".

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن هذا التقرير "يجب أن يعلن نهاية الفحم ومصادر الطاقة الأحفورية قبل أن تدمر كوكبنا" معتبرا أن مصادر الطاقة هذه وقطع أشجار الغابات "تخنق الكوكب".

وأضاف "لا يمكننا الانتظار ولا مجال للأعذار" بعد هذا "الإنذار الأحمر للبشرية".

ورأى وزير البيئة الهندي أن هذا التقرير هو "نداء للدول المتطورة لتقلص فورا وبقوة انبعاثاتها وتستغني عن الكربون في اقتصاداتها"، محملا هذه الدول مسؤولية تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وردت سونيتا ناران من مركز العلوم والبيئة الذي مقره في الهند أن "هذا لا يعني أن على الهند الا تتحرك".

واعتبرت حركة "اكستينكشن ريبيليين" أن "الحكومات نفسها التي تجاهلت اتفاق باريس لن تنقذنا. وحدها المقاومة المدنية قادرة على ذلك" داعية في تغريدة للانضمام إلى صفوفها. وقالت حركة "فرايديز فور فيوتشر" إنها مستعدة "للكفاح أقوى من أي وقت مضى".

أما منظمة غرينبيس المدافعة عن البيئة فتنوي رفع تقرير الهيئة الحكومة الدولية المعنية بتغير المناخ إلى القضاء وقالت "يا أوساط مصادر الطاقة الأحفورية موعدنا في المحكمة".

وأكدت عالمة المناخ كاثرين هايهو "في حال شعرتم باليأس عند قراءة هذا التقرير فهذا غير مفاجئ ولستم الوحيدين. إدراك ما نشعر به أمر أساسي. ومن ثم يجب تحويل هذا الخوف إلى تحرك".

 

صورة رمزية - الاحتباس الحراري بفعل تلوث الهواء نتيجة  الوقود الأحفوري وغاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من غازات الطائرات. Klima Treibhausgas Symbolbild Foto Picture Alliance
"إنذار أحمر للبشرية" من الانبعاثات الغازية: فيما ارتفعت حرارة الكوكب 1,1 درجة مئوية حتى الآن، يشهد العالم العواقب المترتبة على ذلك، من الحرائق التي تجتاح الغرب الأميركي واليونان وتركيا مرورا بالفيضانات التي غمرت بعض المناطق الألمانية والصينية وصولا إلى تسجيل درجات حرارة قياسية في كندا وصلت إلى 50 درجة مئوية. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن هذا التقرير "يجب أن يعلن نهاية الفحم ومصادر الطاقة الأحفورية قبل أن تدمر كوكبنا" معتبرا أن مصادر الطاقة هذه وقطع أشجار الغابات "تخنق الكوكب". وأضاف غوتيريش "لا يمكننا الانتظار ولا مجال للأعذار" بعد هذا "الإنذار الأحمر للبشرية". في هذه المرحلة، راجعت نصف الحكومات فقط التزاماتها الخاصة بانبعاثات غازات الدفيئة. وستؤدي سلسلة الالتزامات السابقة التي تم التعهد بها عقب اتفاق باريس، إلى ارتفاع حرارة الكوكب 3 درجات مئوية، إذا تم احترامها، لكن بالمعدل الحالي، يتجه العالم أكثر نحو 4 درجات مئوية أو خمس.

 

كيف ولماذا تسجل الأمم المتحدة مستويات الحرارة القياسية؟

وتتولّى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية توثيق مستويات الحرارة القياسية وتصديقها وفق مسار طويل ودقيق، لكن كيف يقوم خبراء هذه المنظمة الأممية بعملهم وما الفائدة من تسجيل هذه البيانات؟ يستغرق توثيق درجات الحرارة القياسية عادة عدّة أشهر.

وتتصل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في بادئ الأمر بخدمة الأرصاد الجوية في البلد المعني والهيئة المحدّدة التي سجّلت هذه المعطيات بغية الاستحصال على البيانات الخام والتفاصيل بشأن الموقع المحدّد حيث سُجّلت، فضلا عن نوعية المواد المستخدمة والأحوال الجوية السائدة في المنطقة.

وبعد عملية تقييم أولية يجريها كلّ من لجنة علم المناخ في المنظمة والمقرّر الخاص بالظواهر الجوية والمناخية القصوى، راندل سيرفيني، للعدد المسجّل والمعلومات المحيطة به، تتولّى لجنة من الخبراء في علوم الغلاف الجوي النظر بدورها في هذه البيانات.

وبالاستناد إلى توصية اللجنة، يصدر المقرّر قرارا نهائيا. وحتّى الآن، "لم تُبطل أيّ خلاصة من خلاصات اللجنة"، بحسب ما قال سيرفيني لوكالة فرانس برس.

في العام 2005، عندما كان راندل سيرفيني يتابع على التلفزيون تغطية الإعصار "كاترينا" الذي ضرب نيو أورلينز، صُدم بتعليق ما انفكّ المراسلون يكرّرونه قائلين "إنه أسوأ إعصار في التاريخ".

فهذا الخبير في علوم الغلاف الجوي والأستاذ المحاضر في علوم الجغرافيا في جامعة ولاية أريزونا يعرف حقّ معرفة أن الأمر ليس كذلك. وصحيح أن "كاترينا" أودى بحياة أكثر من 1800 شخص، غير أن 300 ألف شخص على الأقلّ قضوا سنة 1970 في إعصار ضرب منطقة هي في بنغلادش راهنا.

ونشر الخبير مقالا علميا سنة 2006 طالب فيه بإنشاء قاعدة بيانات عالمية ورسمية للظواهر المناخية التي تحطّم أرقاما قياسية. فلجأت المنظمة الأممية لخدماته سنة 2007 لاستحداث قاعدة بيانات لعدد من الظروف المناخية القصوى، (كدرجات الحرارة والمتساقطات والرياح الشديدة وارتفاع الأمواج ومدّة وميض البرق، على سبيل التعداد) ولعدد الوفيات الناجمة عنها.

ينبغي لأوروبا أن تستعدّ لحرارة تفوق 50 درجة مئوية، بحسب ما حذّر منذ فترة بوب ستيفانسكي رئيس الخدمات المناخية التطبيقية في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وكما جاء في آخر تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يتغيّر المناخ أسرع من المتوقع بسبب الأنشطة البشرية.

ولعلّ أهمّ دافع وراء توثيق المستويات القياسية يقضي بتحديد هول التغيرت المناخية العالمية ووتيرتها، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

ومن المهمّ جدّا أيضا "التعمّق في فهم الظواهر الجوية والمناخية القصوى لقطاعي الصحة والهندسة المدنية"، وفق ما قال سيرفيني في نشرة للمنظمة مقدّما مثل المهندس الذي ينبغي أن يكون على بيّنة من سرعة الرياح القصوى وقت تشييد جسر.

ومن الدوافع الأخرى لإقامة سجلّ دولي موثوق في هذا الخصوص، التقدّم بالعلوم مع الحؤول دون ترك وسائل الإعلام تضخّم هول بعض الأحداث المناخية.

يمكن أيضا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تعيد النظر في تسجيلات تعود لما قبل العام 2007.

وهي الحال مثلا مع ليبيا حيث أجرى الخبراء تحقيقا لمدّة سنتين في ظروف شديدة الصعوبة إبّان الثورة الليبية سنة 2011 حول أعلى درجة حرارة في العالم سجّلت سنة 1922 في العزيزية بمستوى 58 درجة مئوية. وأُبطل هذا المعدّل القياسي بسبب خطأ في التسجيل سببه "مراقب جديد غير متمرّس".

ومذاك، باتت أعلى حرارة شهدها كوكب الأرض هي تلك المسجّلة في محطّة فورنس كريك في وادي الموت بواقع 56,7 درجة مئوية في 20 تموز/يوليو 1913. أما أدنى حرارة، فهي قد سجّلت في محطة فوستوك في أنتركتيكا بمعدّل 89,2 درجة مئوية تحت الصفر في 21 تموز/يوليو 1983.

توسع الإنسان العاقل خارج إفريقيا كان رهن التقلبات المناخية

وقبل أن يتوسّع الإنسان العاقل خارج القارة الإفريقية قبل حوالى 65 ألف سنة، خاض أكثر من مرّة غمار أوراسيا سالكا طريقه بحسب التقلّبات المناخية، في مسار استعادته دراسة حديثة.

وتحظى الفرضية المعروفة بـ "الخروج من إفريقيا" (آوت أوف أفريكا) بإجماع في الأوساط العلمية في العالم. وهي فرضية مفادها أن أسلاف الإنسان المعاصر وجِدوا في إفريقيا قبل 300 ألف سنة ثمّ غادروها لاستيطان قارات مجاورة.

 

ذوبان الجليد القطبي Antarktis Thwaites Gletscher Foto Picture Alliance
ذوبان الجليد القطبي: تحت تأثير ذوبان الجليد القطبي، سيستمر مستوى المحيطات في الارتفاع "لقرون، بل لآلاف السنين". أما البحار التي ارتفعت مستوياتها 20 سنتيمترا منذ العام 1900، فما زال من الممكن أن ترتفع بحوالى 50 سنتيمترا بحلول العام 2100. وفي كل سيناريو من السيناريوهات سيستمر ارتفاع درجات الحرارة بضع عقود على الأقل. وسيستمر الارتفاع في مستوى مياه البحار لمئات أو آلاف السنين وستختفي الثلوج البحرية فعليا في الدائرة القطبية الشمالية في واحد على الأقل من فصول الصيف خلال الثلاثين عاما المقبلة. لكن مدى سرعة ارتفاع مستوى البحار ومدى خطورة الظواهر الجوية سيتوقف على المسار الذي يختار العالم السير فيه.

 

وتشير أغلبية البيانات الأثرية والوراثية إلى أن موجة الهجرة الكثيفة حدثت قبل ما بين 70 ألف سنة و60 ألفا، مشكّلة بداية توسّع الإنسان العاقل في المعمورة التي اندثرت عن وجهها أصناف بشرانية أخرى، مثل إنسان نياندرتال.

غير أن آثارا أكثر قِدماً اكتشفت لهذا الإنسان المعروف علميا باسم هومو سابيينس خارج إفريقيا، وذلك في السعودية (تعود إلى ما قبل 85 ألف سنة) وفي إسرائيل (100 ألف سنة على الأقلّ) وفي اليونان (210 آلاف سنة)، وفق هذه الدراسة المنشورة في "نيتشر كوميونيكايشنز".

وتدلّ هذه المعطيات على أن انتشار الإنسان العاقل خارج الحدود الإفريقية لم يحصل دفعة واحدة بل خلال موجات متعدّدة امتدّت على مئات آلاف السنوات. وخلال تلك الرحلات، تقاطعت جينات هذا الصنف البشري مع أصناف أخرى أبرزها إنسال نياندرتال الذي كان موجودا في أوروبا.

لكن من الصعب تحديد التواريخ المضبوطة لموجات الهجرة هذه وأسبابها ومساراتها نظرا إلى السجلات الأحفورية وآثار الحمض النووي الضنينة.

وللتعويض عن هذا الشحّ، شكّل علماء نماذج تحاكي التقلّبات المناخية في العصر الحجري القديم على امتداد 300 ألف سنة، بالاستناد إلى أحدث نماذج المحاكاة المناخية العالية الدقّة.

وكانت النماذج السابقة تعود إلى ما قبل 125 ألف سنة لا غير، بحسب هذه الدراسة التي أشرف عليها كلّ من أندريا مانيكا (قسم علم الحيوانات في جامعة كامبريدج) وروبرت ماير (معهد الأبحاث حول المناخ في بوتسدام).

وأضيفت إلى هذه البيانات تقديرات بشأن النسبة الدنيا من المتساقطات اللازمة لصمود الإنسان العاقل الذي كان من الصيادين وقاطفي الثمار، في وجه التغيرات المناخية القصوى. واعتمدت عتبة 90 ميليمترا من المتساقطات في السنة والتي لا وجود لأي أثر بشري دونها وهي قريبة من تلك المسجّلة في المناطق الصحراوية.

وسمحت النتائج بتحديد هوامش توسّعية استفاد خلالها الإنسان العاقل من ظروف مناخية مؤاتية ليغادر مهده الإفريقي في فترات تفصل بينها عشرات آلاف السنوات.

وكان أمامه مسلكان للوصول إلى شبه الجزيرة العربية، من شمال البحر الأحمر (عبر مصر حاليا ثمّ الصعيد)، أو من الجنوب عبر مضيق باب المندب الذي يفصل اليوم بين جيبوتي واليمن.

وكان المسلك الشمالي مفتوحا بشكل متقطّع، خصوصا قبل أول فترة فاصلة بين مدّتين جليديتين، ما بين -246 ألف سنة و-200 ألف سنة. ثمّ جعلته الظروف المناخية قاحلا جدا للبشر قبل أن يصبح سالكا مجدّدا ما بين -130 ألف سنة و-96 ألف سنة ثمّ ينقطع مجددا.

وكانت فرص عبور البحر الأحمر من الجنوب أكثر تعدّدا، لكنّ ذلك مع الأخذ بفرضية أن الرحلات البحرية كانت ممكنة. واستعرضت الدراسة ثلاث فترات طويلة كان المناخ فيها رطبا بما فيه الكفاية ومستوى البحر منخفضا نسبيا لتيسير التنقّل.

وهذه السيناريوهات "تتماشى بالكامل" مع المعطيات الأثرية المتوافرة، فضلا عن "عمليات تأريخ التقاطعات الجينية بين الإنسان العاقل وإنسان نياندرتال، قبل ما بين -250 ألف سنة و130 ألف سنة"، بحسب الباحثين.

وهم خلصوا إلى أن الخروج المتقطّع من إفريقيا والمنافسة المحتملة مع أصناف بشرانية أخرى هما من العوامل التي حالت دون استقرار الإنسان العاقل في أوراسيا في تلك الفترة.

لكن المدّة الممتدّة ما بين -65 ألف سنة و-30 ألف سنة شهدت ظروفا مناخية مؤاتية جدّا ولم يكن فيها عرض مضيق باب المندب يتخطّى 4 كيلومترات، وهي ظروف مثالية للخروج من إفريقيا وغزو القارات الأخرى. أ ف ب ، د ب أ ، رويترز 

 

 

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:41953]