تهويل في الرؤية القائمة تجاه هذا الدين

فيما يتواصل الجدل في ألمانيا حول "المسلمين" و"الإسلام" فإن ذلك يتزامن مع تهميش تام للنظرة القائمة إلى عدد كبير من المشاكل الراهنة كوضع المهاجرين سواء من الزاوية القانونية أو الاقتصادية. مقال بقلم مارك تيركيسيديس.

الصورة: أ ب

​​

في تسعينيات العقد المنصرم كان من المحبب في برلين في إطار الأنشطة المعقودة مع الشباب المهاجرين استخدام تسميات رنانة على بعض هذه الأنشطة الاجتماعية مثل تسمية "الديسكو والشاورمة". يومها كان هناك توجه لإبراز الفروق القائمة في السياق الثقافي لكن على نحو "طيب المذاق" مثل الشاورمة بحيث يتقبلها لا سيما مجتمع الأغلبية على صدر رحب.

اتهم تيار "التعددية الثقافية" الذي عرفته تلك الأيام على حق بأن محوره لم يتخط مستوى المطاعم من كبيرة أو بسيطة. أما اليوم فقد تغيرت رؤية المجتمع على نحو كبير تجاه هذه الأمور، بحيث أصبح مفهوم "التعددية الثقافية" يحتل موقعا سلبيا غير مرغوب به.

كثيرا ما بلغ إلى أسماعنا لا فقط من قبل الجهات المحافظة وحدها تقييم يصم رواد التعددية الثقافية بالسذاجة. لا يقتصر الأمر في نظرهم على السذاجة وحدها بل إنه أصبح شيئا حافلا بالخطورة نظرا لأن هذا النموذج هيأ الظروف المناسبة لتكريس "المجتمعات المتوازية".

الاندماج كلمة سحرية

عادت الأوساط المعنية تعمد من جديد إلى استعمال كلمة "الاندماج" ذات الوقع السحري. لكن المعني الحقيقي الدقيق لهذه الكلمة مازال يكتنفه الغموض على وجه عام. فلو نظرنا بتعمق إلى الجدل الدائر اليوم حول مسألة "الاندماج" لارتسمت الدهشة على ملامح وجوهنا نظرا للتشابه الكبير القائم بين هذا المصطلح وبين مفاهيم "التعددية الثقافية" التي باتت كما سبق القول موضع نبذ وكراهية.

ففي حقيقة الأمر بدأت تظهر نماذج جديدة من "التعددية الثقافية" مع الفارق بكون محورها لم يعد كالسابق مرتبطا بمذاق المأكولات الطيبة بل بدأ يأخذ مرتكزا فكريا. المقصود من ذلك الدور الذي أصبح المسجد يحتله.

ليس من المدهش بناء على هذه المستجدات أن يصبح موضوع بناء مسجد بالقرب من مركز مدينة كولونيا قضية سياسية ذات أبعاد قومية. وكلما تم التطرق إلى المسائل المتعلقة بمجتمعات المهاجرين لم يعد هناك على وجه التقريب سوى موضوع واحد ينال الاهتمام هو الدين الإسلامي. من هذه الأرضية بات مصير "المرأة المسلمة" أمرا يحتل داخل الرأي العام عناية واهتماما ملحوظين.

المسلمون كشركاء "صغار" للطوائف المسيحية

أصبح الجدل حول العلاقة القائمة بين الإسلام والإرهاب بمثابة نبع لا ينبض. وقد عقد ما أطلق عليه "مؤتمر قمة حول الإسلام" خصيصا لتوضيح معالم دور "المسلمين" مستقبلا داخل مجتمع الأغلبية.

أصبحت مسألة إلحاق "المسلمين" في المجتمع قرارا قيد التنفيذ رغم كافة الاعتراضات القائمة حياله. لكنه يتعين على المسلمين بناء على التصور السائد أن يكتسبوا صفة الشريك "الأصغر" للطوائف المسيحية أي أنه لم يسمح لهم بأن يكونوا شركاء أقرانا للمسيحيين وسمح لهم فحسب بالظهور على نحو رمزي وعلى مستوى معماري لا أكثر.

معنى ذلك أن الإسلام يبقى هنا دينا يجتاز مرحلة الاختبار. ففيما ينظر إلى الكنائس المسيحية على أنها تتمشى مع الحداثة والعلمانية يبقى الإسلام مكبلا بالتحفظات النابعة من الوقائع التاريخية. على سبيل المثال كتبت نجلاء كيليك التي جرت العادة على نعتها ب "ناقدة الإسلام" تقول " لقد ضيع الإسلام طيلة 1400 عام من الزمن الفرصة لطرح أسئلة نقدية على نفسه ولإنهاء علاقته بشؤون السياسة".

انطلاقا من هذه الأرضية أصبح المسلمون مطالبين على سبيل المثال برؤية أعمال مسرحية تتسم بالتجديف في دينهم أو حتى بترتيب قراءة داخل مساجدهم لكتاب "الآيات الشيطانية" الذي ألفه سلمان رشدي.

الكيل بمكيالين

الواضح أنه يتم هنا الكيل بمكيالين فلا أحد يطالب الكنيسة الكاثوليكية مثلا بدعوة ناقد الكنيسة كارل هاينز ديشنير لعرض أفكاره داخل محافلها.

ثم إن هناك سؤالا آخر بالغ الأهمية في هذا السياق هو: ما المقصود من مصطلح "المسلمين" المتداول استخدامه؟ كثيرا ما بلغ إلى علمنا في الآونة الماضية عبر أجهزة الإعلام بأن هناك مليوني أو حتى ثلاثة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا.

لكن نسبة المنضويين منهم في صفوف منظمات مسلمة لا يصل في واقع الأمر حتى إلى مجرد 20 % من مجموعهم. على الرغم من ذلك يجري النظر إلى الأفراد التابعين لهذه الأغلبية المسلمة في إطار الفهم المتداول لمصطلح "المسلمين" الأمر الذي يسرى حتى على الأفراد ذوي النزعة الإلحادية التامة في صفوفهم.

يعطي هذا الطرح في الجانب الآخر أيضا أن لدى مجتمع الأغلبية صورة تعني بأن كافة الثمانين مليون شخص الآخرين "مسيحيون" ويعيشون داخل دولة "مسيحية" بهذا المعنى.

من نقاط النقد الأخرى التي وجهت لمفهوم التعددية الثقافية في غضون ثمانينيات القرن الماضي كونه اعتبر كافة فئات مجتمع الدولة ممثلين أصليين لثقافاتهم المختلفة، هذا على الرغم من أننا نعيش اليوم داخل مجتمع يمر بمرحلة يسودها نبذ متواصل لتقاليده وأعرافه.

رغم ذلك أصبح ينظر إلى كل التابعين لمجموعات مختلفة على اعتبار أن كلا من أعضاء مجموعة ما يمثلون دينا "مشتركا" لهم. لكن مثل هذه المقولة بعيدة عن روح الواقع حالها حال النظرة التعميمية القائمة تجاه المسلمين فعلى الرغم من النجاح في إعداد بعض المهرجانات الكنسية الضخمة فإن الكنائس المسيحية ما زالت تفقد أهميتها على نحو متواصل.

إغفال النظر عن أوضاع المهاجرين الاقتصادية

فيما يدور الجدل إذن بحماس كبير حول موضوع "المسلمين" يتلاشى الاهتمام تماما بعدد كبير من المشاكل ذات الطابع الهيكلي كالوضع القانوني والاقتصادي للمهاجرين الذي لم يعد يلعب دورا يستحق الذكر في هذا السياق.

وقد أسبغت في السنوات الماضية على قواعد تسهيل حيازة الجنسية الألمانية شروط قاسية صعبة مما قلل عدد الأشخاص الذين تتوفر لديهم الشروط المطلوبة بل حتى عدد الذين ما زالوا يرغبون في تلبية تلك الشروط المفروضة على حيازة الجنسية. يأتي بالإضافة إلى ذلك أن طرق محاربة تهميش الأجانب في حقل التربية والتعليم تبتعد كل الابتعاد عن روح الالتزام الحقيقي.

أما فيما يتعلق بمعدلات البطالة المرتفعة على نحو فادح في صفوف المهاجرين فكل ما في الأمر أن "الخطة القومية للاندماج" تشمل قائمة لها أول وليس لها آخر للبيانات التي تتضمن إعرابا عن "النوايا". من أمثلة ذلك الإشارة إلى أن الجهات المعنية "ستبذل مساعيها" وسوف تعمل على "تفعيل التزامها" وعلى "تطوير طرق التنفيذ". أما الإجراءات العملية المحددة فلا يوجد منها إلا القليل.

على ضوء ذلك يغيب الاهتمام عن الصعوبات ذات النوعية الخاصة التي تعاني منها بعض مجموعات المهاجرين، على سبيل المثال تكاثر عدد التلاميذ المنحدرين من أصل صربي على نحو كبير للغاية داخل المدارس التي يلتحق بها ذوو المقدرة التعليمية المتدنية والكساد الثقافي لدى الأفراد المنحدرين من أصل إيطالي وتكاثر معدلات البطالة لدى المهاجرين من أصل يوناني على نحو يفوق معدل نسبة هذه الجالية في المجتمع على الرغم من حيازتهم على شهادات تخرج جيدة.

سيناريوهات "الصراع الثقافي"

في آخر المطاف ينجم عن تقييم الأفراد والمجموعات وفقا لانتمائها الديني سيناريو مبني دوما على مفهوم "الصراع الثقافي". بالتالي لم يكن مدعاة للدهشة أن ينعكس استخدام هذا النمط من الأكليشيهات في المقام الأول على الأقليات نفسها.

يدل عدد من استطلاعات الرأي على أن الأشخاص المنحدرين من أصل تركي أصبحوا يعرفّون هويتهم بشكل متنام في الإطار الديني على الرغم من أن هذا العرض الذاتي للهوية لا يتزامن مع تصرفاتهم الشخصية في المجالات المعنية. فأغلبية هؤلاء الأفراد ما زالت لا تتردد حتى اليوم على المساجد.

ولو نظرنا إلى الأمثلة القائمة في بعض الدول كبريطانيا لأمكننا أن نستنتج بكل وضوح إخفاقا في الخليط الراهن هناك بين التشديد من جهة على الفروق الدينية وبين مواصلة أعمال التمييز والتهميش الاقتصادي حيال المهاجرين من جهة أخرى. هذا إلا إذا كانت بعض الجهات المعنية قد أخذت تتطلع بغبطة إلى اشتعال "صراع الحضارات".

مارك تيركيسيديس
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007

مارك تيركيسيديس كاتب وباحث ألماني مختص بقضايا المهاجرين في ألمانيا وأوربا

قنطرة

قراءة "آيات شيطانية" لرشدي داخل مسجد في كولونيا
طرح الكاتب الألماني غونتر فالراف المعروف بمواقفه المناصرة للعمال الأتراك في ألمانيا فكرة مثيرة وهي أن تقرأ مقاطع من رواية سلمان رشدي "آيات شيطانية" في مسجد كولونيا وأن تعقب القراءة مناقشة مع الجالية الإسلامية. تقرير كتبه بيتر فيليب

سياسة ألمانيا حيال الاندماج والهجرة
ينتقد محمد كيليتش رئيس المجلس الاستشاري الاتحادي لشؤون الأجانب في هذا التعقيب قانون الهجرة الألماني الجديد، الذي يصعب حسب رأيه اندماج الأجانب في ألمانيا.

صوت المؤذن يعلو في ألمانيا!
ظهرت حدة جديدة في الجدال حول الاسلام في ألمانيا، وهذا مما يعد خبرا طيبا. إننا خرجنا من عصر الصبر الخاطئ مباشرة إلى الحوار حول مجتمعنا الجديد. والاعتراف الرسمي بالاسلام في ألمانيا لا يعني نهاية الصراع الحضاري ولكنه يعتبر بدايته، حسب رأي يورغ لاو