واشنطن وبغداد.... علاقات وثيقة رغم سحب القوات الأمريكية

كما هو مخطط ستكمل الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من العراق بنهاية عام 2011. ولكن هناك الكثير من التحديات التي سيخلفها هذا الانسحاب وخاصة في المجال الأمني ومجال السيادة الجوية. كريستينا بيرغمان تسلط الضوء على هذه القضية.



من خلال زيارة نائب رئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة للعراق في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت أرادت الحكومة الأمريكية إيضاح: أن هناك بداية عهد جديد من العلاقات مع عراق مستقل. وفي بغداد أكد بايدن: "سنبقى محافظين على وعدنا". وبحلول الحادي والثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر الجاري يفترض أن يكون قد تم سحب آخر جندي أميركي.

ولكن الولايات المتحدة لن تتخلى عن العراق، كما صرح بايدن بذلك أيضا: "نحن هنا، لسبب وحيد فقط: من أجل المساعدة على تطوير قدرات هذا البلد العظيم". ومن أجل ذلك قامت الولايات المتحدة ببناء سفارة كبيرة في بغداد لتكون أكبر سفارة لها في العالم. ولن يعمل في هذه السفارة الدبلوماسيون فقط وإنما "خبراء في مجالات التجارة والزراعة والتعليم والصحة والمواصلات والقانون والطاقة والأمن"، حسبما أكد نائب الرئيس الأمريكي. وهكذا ستتحول العملية العسكرية إلى بعثة مدنية.

في بداية كانون الأول/ ديسمبر الجاري كانت الأرقام تشير إلى وجود 8000 جندي أميركي فقط، و5000 مؤسسة مدنية عاملة في العراق. وهذا يعد تخفيضا هائلا من حجم القوات التي كان يزيد تعدادها في عام 2007 على 300.000 من الجنود. في ذلك الوقت كان هناك 505 من القواعد الأمريكية، أما الآن فهي خمس قواعد فقط. وسيتولى 700.000 جندي من قوات الأمن العراقية مسؤولية حفظ الأمن في البلاد. وفي مؤتمر صحفي ذكر الجنرال فرانك هيلمك، نائب قائد القوات الأمريكية في العراق، كيف كانت الأوضاع عام 2003: "لم يكن لدى العراقيين أي قوات برية أو بحرية أو جوية". وأوضح مفتخرا: "لقد قمنا ببناء جيشهم". حتى قوات الشرطة وقوات المهام الخاصة تم إعدادها بمساعدة الأمريكيين وتزويدها بالأسلحة والمعدات الأمريكية.


معضلة تأمين السيادة الجوية

الصورة د ب ا
جنود أمريكيون يلتقطون آخر صورة تذكارية في العراق قبيل اسنحابهم

​​وأضاف الجنرال بأن العراقيين تولوا المهمة منذ عام 2010، ولكنه أشار أيضا إلى أن القوات العراقية لا تسيطر على الأمور كما يجب، "فهناك ثغرات أمنية في تأمين السيادة الجوية ومنصتي تحميل النفط وفي التنسيق بين فرق الجيش المختلفة في حالة الدفاع الخارجي". وخاصة في مسألة التأمين الجوي فالوضع متأزم، ورغم أن العراقيين يحكمون سيطرتهم على قطاع الطيران المدني، إلا أنهم يفتقدون للطائرات الحربية ولإمكانيات المراقبة الجوية الكفيلة بالتعرف على أي اعتداء خارجي ومواجهته.

ورغم أنه تم الاتفاق على شراء 16 طائرة أمريكية من طراز إف 16، إلا أنه لا يمكن تسليم الطائرات مباشرة. "وبسبب حالة سلاح الجو العراقي فلن يكون (العراق)، ولمدة عشر سنوات على الأقل، في وضع يمكنه من تأمين سيادته الجوية" كما تقول الدكتورة نورا بنساحل، خبيرة الشؤون الأمنية في مركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن. وتضيف بنساحل بأنه يمكن أن تتولى الولايات المتحدة تلك المهمة إذا ما طلب العراقيون ذلك، ولا يجب أن يتواجد الأمريكيون على الأرض العراقية من أجل هذه المهمة.


وبدوره أشار الجنرال هيلمك في مؤتمره الصحفي إلى تلك التهديدات الأمنية القادمة من الخارج: "من إيران يأتي الدعم للميليشيات، وهناك القاعدة وغيرها من المنظمات المتطرفة الممارسة للعنف، والتي يجب أن يضغط عليها العراقيون باستمرار". وأضف إلى ذلك التوترات العرقية والطائفية بين السنة والشيعة وبين العرب والأكراد. كما أن العلاقات مع الكويت مازالت غير مستقرة.
لكن التحدي الأكثر إلحاحا هو مشكلة الأمن الداخلي، كما ترى نورا بنساحل. ورغم أن عدد الاعتداءات على القوات الأمريكية قد انخفض بشكل كبير جدا، كما يشير الجنرال هيلمك، إذ أن عدد الهجمات على القوات الأمريكية قد انخفض من 1600 اعتداء في الأسبوع إلى أقل من 50 أسبوعيا، ولكنه لم يعط أي توقعات بخصوص كيفية تطور الأوضاع الأمنية مستقبلا.

تأجيل المفاوضات لما بعد الانسحاب

بدوره أوضح الألماني مارتن كوبلر، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق، عند تقديم تقريره لمجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، بأن هناك عمل كثير يجب إنجازه فيما يخص حماية حقوق الإنسان في العراق. وقال المبعوث الأممي: "هناك تقارير تأتي كل شهر تشير إلى وقوع ما بين 600 و 800 من الحوادث التي تؤدي إلى مقتل 10 مدنيين على الأقل يوميا، إضافة للكثير من الجرحى". وحذر كوبلر من الاستخفاف بالوضع الأمني. فالمقاومة المسلحة التي مازالت موجودة على الأرض لا زالت تنفذ تفجيرات توقع الكثير من الضحايا، مما يجعلها "تحديا لجهود المساعدة التي تقدمها الأمم المتحدة في البلاد".


الصورة د ب ا، المالكي واوباما
لن يجري المالكي خلال زيارته أي محادثات مع أوباما حول عودة قوات أمريكية إلى العراق

​​قرابة بليون دولار بلغت تكلفة الحرب في العراق، وأكثر من مليون جندي أمريكي خدموا في العراق منذ عام 2003، وقتل منهم حوالي 4500 جندي. ولدى الأمريكيين اهتمام كبير بأن لا تذهب كل هذه التضحيات هباء. وحتى الآن تم الاتفاق على أن يتولى جنود أمريكيون مهمة تدريب العراقيين.

ولكن لا بد من التفاوض حول أي وجود آخر للجنود الأمريكيين أو أي عمليات واسعة.
ولا تنتظر نورا بنساحل أن يحدث هذا التفاوض خلال استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في البيت الابيض، أو على الأقل ألا يحدث ذلك علنا، فالأمر مهم جدا للمالكي وسيبقى مصمما على انسحاب القوات الامريكية. إنها قبل كل شيء زيارة رمزية لتكفل للعراقيين استمرار الدعم الأمريكي. وبعد الانسحاب سيكون هناك فضاء سياسي أوسع لمفاوضات محددة. الدعم العسكري الأمريكي سيبقى مستمرا، بغض النظر عن الجهة التي تسيطر على الحكم في العراق، كما تتوقع بنساحل. كما ترى بأن الحكومة الأمريكية حريصة على عدم حدوث أي فراغ أمني في العراق، مما يؤدي إلى تردي الأوضاع هناك.

 

كريستينا بيرغمان
ترجمة: فلاح الياس
مراجعة: عارف جابو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011