أمة مشتركة لكافة مواطني روسيا؟

شهد الإسلام منذ انهيار الاتحاد السوفياتي تغيرا ملحوظا ويعود ذلك أيضا إلى الحرب في الشيشان وزيادة نفوذ المجموعات الجهادية. ومن المستبعد أن تفلح مبادرة لجنة وزارية روسية في دعم الشعور لدى المسلمين بالانتماء إلى الأمة الروسية. تقرير ميشائيل لودفيغ

مقاتل شيشاني، الصورة: أ ب
من الممكن أن يؤثر النزاع في الشيشان سلبيا على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في الاتحاد الروسي.

​​

"أنت أيضا صورة من صور روسيا!"، تلك ببعض التصرف في الترجمة الرسالة التي وجهتها مؤخرا لجنة وزارية إلى مواطني الاتحاد الروسي البالغ عددهم 144 مليون نسمة. هذا ويشكل الروس أنفسهم 80 بالمائة من تعداد السكان في هذه الدول التي هي أكبر دول العالم من حيث المساحة الجغرافية، بالإضافة إلى شعوب أخرى يبلغ عددها أكثر من 100 شعب "تشارك" الروس في العيش هناك.

وقد قدمت اللجنة الوزارية اقتراحا إضافيا لفكرة مضى عليها عقد من الزمن بشأن سياسة القوميات وذلك بهدف الحفاظ على الاتحاد الروسي وإكسابه روح الحيوية. جاء في بيان اللجنة بأن الأوان قد آن الآن لدمج مواطني هذه الدولة المؤلفة من مجموعة شعوب متعددة بحيث يفرز ذلك أمة تضم كافة مواطني الدولة الروسية.

وذلك بعد أن تم في هذه الأثناء توضيح المسائل المؤسسية الهامة،على سبيل المثال بعد أن صدر قرار عن الرئيس بوتين فرض فيه تقوية دعائم السلطة المركزية وتضمن إلغاء انتخاب رؤساء ولايات الاتحاد عن طريق الشعب مباشرة.

تحفظ من طرف المسلمين في الشيشان

لكن السؤال يطرح نفسه عما إذا كانت هذه الرسالة المتضمنة محاولة لفرض الوحدة من أعلى، محل سماع وقبول من كافة السكان ولا سيما في شمال القوقاز المتسم في أغلبه بطابع الانتماء الإسلامي.

فهناك لا سيما في الشيشان حرب قذرة دائرة، حيث يعاني سكان هذه المنطقة الأمرين تحت طائل كافة الأطراف المعنية سواء من قبل قوات الاتحاد المسلحة بما تقوم به من عمليات موجهة ضد "الإرهاب" ومن مليشيات المنشقين الشيشان المتطرفين وكذلك من الإرهابيين ومن عمليات التصفية المروعة التي تقوم بها قيادة الشيشان الموالية للحكومة المركزية في موسكو.

هذا على الرغم من أن موسكو كانت قد أعلنت رسميا قبل عدة سنوات عن انتهاء حرب الشيشان الثانية. لهذا فمن المشكوك بأمره أن تفلح السلطة المركزية في موسكو في إنهاء وحسم هذه "الحرب التالية للحرب" وفقا لشروطها ومن خلال بسط نفسها كمركز يحقق قواعد النظام ورعاية السكان في هذه الدولة الواسعة الأرجاء.

يأتي بالإضافة إلى ذلك كون الإسلام في الشيشان وفي شمال القوقاز بكامله قد بدأ يأخذ طابعا راديكاليا على الأقل منذ اندلاع حرب الشيشان الثانية في عام 1999.

فقيادة الثورة الشيشانية والمقاتلون الشيشان (بوييويكي) أخذوا يظهرون الصراع الدائر مع روسيا بشكل متزايد على أنه يحمل صفة "الجهاد" ضد الكفّار فيما كانوا يصورون كفاحهم في الماضي على أنه كفاح يهدف إلى تحقيق الاستقلال الوطني.

"تعريب" النزاع في القوقاز

حتى قادة الجماعات الإرهابية مثل جميل باساييف الذين لا ينشدون فصل الشيشان عن الاتحاد الروسي فحسب بل يضعون أيضا إنشاء "خلافة" قوقازية هدفا لهم، فإنهم لا يترددون في إكساب الأعمال المروعة التي يمارسونها طابعا دينيا.

والأشخاص الذين يقومون بالأعمال الانتحارية حتى في قلب مناطق روسيا لا يعكسون فقط حنين ضحايا الامتهان والتحقير إلى الثأر بل يجسدون كذلك نمطا معينا من الاجتهاد في تفسير القرآن بدأ يفرض نفسه على نحو متزايد.

من خلال هذا النمط تتضح صورة "تعريب" النزاع الدائر في الشيشان. وقد قال رئيس جمهورية كاراتشاي- شركس القوقازية مؤخرا إن الانفصاليين الشيشان قد بدءوا يستغلون كافة أنماط الإسلام كما لو كانت رهائن تحت أيديهم.

من ناحية أخرى فقد عمدت القيادة الروسية ومعها الكثير من أجهزة الإعلام الروسية منذ سنوات عدة إلى تصوير هذه الحرب على نحو متزايد على أنها كفاح ضد الإسلام السلفي المتطرف وضد أعمدته الأجنبية في العالم الإسلامي مع التشديد على أن هذه العناصر تسعى إلى تقطيع أواصل الدولة الروسية.

العلاقة بين المسلمين والمسيحيين على المحك

لكن إكساب النزاع القائم مع الروس طابعا "جهاديا" من جهة و"أسلمة" حرب الشيشان من جهة أخرى لا يحيدان فقط النظر عن النزاعات الحقيقية القائمة في شمال القوقاز وعن الأسباب التي أدت إلى نشوب هذه الحرب، بل من شأنهما بالإضافة إلى ذلك أن يؤديا إلى تصديع ملحوظ في العلاقة بين الأغلبية المسيحية والأقلية المسلمة في المناطق المركزية من الاتحاد الروسي.

ولا شك أن هذا كفيل باستهداف عصب وجود الاتحاد لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار بأن المسلمين البالغ عددهم في الاتحاد حوالي 20 مليون نسمة يشكلون ثاني أكبر طائفة دينية في الدولة. وإذا كان خلق قوة سياسية لهذه الطائفة غير ممكن في الوقت الحاضر فإن ذلك يعود لأسباب مؤقتة لا أكثر.

الجانب الأكبر من مسلمي الاتحاد الروسي يعيشون داخل المناطق المركزية منها لاسيما في المنطقة الوسطى من حوض نهر فولغا في تترستان وفي إقليم باشكورتوستان المجاور له وفي المناطق الواقعة في سيبيريا وكذلك في المدن الكبيرة كموسكو.

وهؤلاء، لو أغضينا النظر عن النازحين من القرى إلى المدن الكبيرة، يعيشون ضمن جاليات مسلمة تعود جذورها في الدولة إلى مئات السنين. معظم المسلمين ينتمون إلى الطائفة السنية، لكن هناك تواجدا متزايدا للشيعة نتيجة لهجرة سكان أذربيجانيين إلى البلاد.

بعد أن انقضى عهد الإسلام "الخفي" في الاتحاد السوفييتي أصبح مسلمو الاتحاد الروسي يتمتعون اليوم في العهد الجديد بحرية لم يشهدوا مثلها في الماضي.

لم يتحقق التلاحم بين النهضة الدينية والرغبة في تحقيق الاستقلال الوطني إلا في مراحل زمنية محدودة كالحال في جمهورية التتار.

زيادة نفوذ التيارات الإسلامية الراديكالية

وكانت روسيا الجديدة قد قدمت قبل بضعة أعوام بحكم كونها فخورة بتسامحها الديني طلبا بالانضمام إلى منظمة الدول الإسلامية. لكن هناك مسألة أخرى في هذا السياق ترتبط بأنماط التبني الجديد للإسلام وبالطريق المقرر سلوكها هنا.

ويمكن مع بعض التبسيط أن نقول إن هناك في الوقت الراهن مؤشرات بوجود أنماط عديدة للإسلام القائم في الاتحاد الروسي. بالإضافة إلى الإسلام التقليدي البعيد عن الجمود العقائدي والذي يتقبل التعايش بين المسيحيين والمسلمين دون صعوبات تذكر،بدأ النفوذ العربي يقوى في غضون السنوات الماضية مما أدى إلى انتشار التيارات المبنية على التصورات الراديكالية المطلقة.

من أسباب ذلك على وجه خاص زيادة عدد الشباب المتوجهين إلى شبه الجزيرة العربية بغرض الدراسة حيث استقطبوا هناك صورة للإسلام لا تكاد تمت بصلة لنمط الإسلام السائد في تتارستان على سبيل المثال.

ولم يمر إكساب حرب الشيشان طابع "الجهاد" الإسلامي مر الكرام حتى على فكر المسلمين المقيمين في المناطق المركزية للاتحاد الروسي.

هذا وإن لم ينجم عن ذلك تضامن واسع النطاق من قبلهم مع أبناء ملتهم في المناطق الواقعة في شمال القوقاز أو حتى انخراط كبير لمسلمي تلك المناطق المركزية في صفوف المقاتلين الشيشان. ثم أن هناك بالإضافة إلى ذلك مساع قائمة منذ بضع سنوات لتحديث الإسلام وفقا لطبيعة حياة السكان هناك وتفكيرهم.

زيادة الهجرة إلى المناطق المركزية

قدم مؤخرا رفائيل حكيموف مستشار رئيس تتارستان ومدير معهد تاريخ تتارستان اقتراحا للرأي العام يتضمن خلق نمط ليبرالي "أوروبي" للإسلام. وذكر حكيموف بأنه لا ينبغي الخضوع دوما وبلا استثناء لمقاييس العصور الوسطى حيث ظهر الإسلام أو العمل وفقا للنماذج العربية القائمة في هذا الصدد والتي لا تمت بأدنى صلة لعالم الحياة في روسيا.

كما أضاف بأنه ينبغي العمل تمشيا مع معطيات المحيط سواء الروسي أو الأوروبي مستطردا في هذا الشأن بأنه يتوجب على الشريعة الإسلامية أن تتبنى المعايير التي تقبلتها البشرية لتصبح من بعد جزءا من أحكام القانون الدولي.

يبدو أن هذا الخيار الذي صاغه حكيموف حول الإسلام يشكل عاملا إيجابيا لتحقيق تعايش مثمر في دولة مثل روسيا تعيش فيها طوائف دينية متعددة.

لكن الكلمة الأخيرة في هذا السياق لم تصدر بعد، وسوف يخضع ذلك لمدى المقاومة التي ستنطلق من صفوف الجماعات التقليدية ولمجريات الأحداث في شمال القوقاز وكذلك أيضا للسياسة التي تنتهجها موسكو.

أما إذا لم يحدث أي تغيير في هذه السياسة فمن المتوقع زيادة معدلات هجرة أبناء القوقاز إلى المناطق المركزية للبلاد وتقوية نفوذ الرؤية "العربية" للإسلام .

بقلم ميشائيل لودفيغ
ترجمة عارف حجاج
صدر المقال في جريدة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005

قنطرة

الإسلام في روسيا
كثيرًا ما تم في السنوات الأخيرة تناول مشكلة الطوائف المسلمة في روسيا من منظور الحرب الشيشانية والعمليات الإرهابية، التي تمخّضت عن هذه الحرب. بيد أَنّ المسلمين في روسيا يتَّسمون بتنوِّع كبير على مختلف المستويات، يعكس تاريخ انتشار الإسلام في روسيا وعلاقة السلطة الروسية

هل يتكرر التاريخ مجددا؟
في 23 فبراير/شباط 1944 هجّر ستالين مئات الآلاف من الشيشان من مواطنهم إلى سيبيريا وكازاخستان. وتتزامن هذه الذكرى مع حرب إبادة روسية ضد سكان هذه المنطقة. غسّان غوزينوف يفتح صفحة الماضي

الإسلام في روسيا
بعد خمس سنوات من وفاة الكاتب الروسي مارك باتونسكي في منفاه الألماني صدرت الآن الدراسة الشاملة الأولى من نوعها عن الإسلام في روسيا. غسان غوينوف حضر حفل تقديم الكتاب