سخرية باسم يوسف السوداء...سلاح ضد ثقافة التكفير والتخوين وصناعة الفراعنة

 مصادر: «سخرية» باسم يوسف أثارت غضب قادة وضباط وجنود بالجيش
مصادر: «سخرية» باسم يوسف أثارت غضب قادة وضباط وجنود بالجيش

بعد أن راهن الجميع على أن باسم يوسف لن يجرؤ على انتقاد الجيش في حلقته الجديدة، فاجأ الإعلامي الساخر هؤلاء وفعلها وإن بشكل مخفف نسبياً، حسب بعض المراقبين. فهل تتحمل السلطة الجديدة في مصر أقسى انتقاد تتعرض له بعد إطاحتها الرئيس محمد بمرسي؟ نائل الطوخي يستطلع من القاهرة ردود الفعل على عودة باسم يوسف وبرنامجه.

Von نائل الطوخي

قبل أن تذاع حلقة باسم يوسف الجديدة كان الترقب شديداً بين الجمهور المصري. السؤال الأساسي للناس كان: هل يجرؤ باسم على انتقاد القيادة العسكرية ذات النفوذ القوي في مصر مباشرة، في وقت تتعرض له حرية التعبير لأزمة حقيقية؟ تبدو المشكلة أوضح مع مقارنة المشاهدين سقف الحرية المتوقع له بالحرية التي كانت لديه في انتقاد الرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في الموسم الماضي.

وبدا باسم يوسف من جانبه واعياً أن حالة الترقب لبرنامجه صارت ظاهرة، إذ كتب منذ أيام في صحيفة الشروق المصرية عن هذا المأزق وعن السؤال المتكرر الذي يوجه له قائلاً: حين يسألني أحدهم "هتعمل إيه بعد كده.. هتضحكنا إزاي؟ أقول له إن برامج السخرية السياسية هي مرآة للمجتمع. إذا كان ما يحدث في البلد دمه خفيف فسنكون كذلك. أما حين يكون كل ما يحدث في البلد يدعو للاكتئاب فسنبذل قصارى جهدنا لوضع ابتسامة على شفاه من أصابهم الملل من البرامج التقليدية وسنضحك معهم بدلا من أن نبكى".

بدأ باسم فقرته الأولى في الموسم الجديد باستعراض حالة البلبلة في المجتمع المصري الآن إزاء توصيف ما حدث في 30 يونيو، وهل كان ثورة أم انقلاباً؟ بدا باسم في هذه الفقرة شديد الحذر وهو ينتقد الجميع، كما كان حريصاً على إلقاء اللوم في قمع الحريات على الإسلاميين بالأساس، فمرسي هو صاحب مبدأ "التضحية ببعض المواطنين من أجل مصر"، وهو المبدأ الذي تعمل به السلطات الحاكمة في مصر الآن.

لم يسخر باسم يوسف من السيسي مباشرة وإنما ممن يروجون له

انتقاد الجيش دون المس بالسيسي شخصيا

أما الفقرة الثانية فقد احتوت على جرعة سخرية أكثر كثافة ضد "المعسكر الأمني- الدولتي". لم يقترب من وزير الدفاع ورجل مصر القوي عبد الفتاح السيسي مباشرة وإنما انتقد المروجين له بقوة، والذين يميلون إلى نفي صفة "الثورة" عن 25 يناير، مثل الإعلاميين توفيق عكاشة ورولا خرسا وأحمد موسى على سبيل المثال. الفقرة الثالثة، وهي الفقرة الجادة في البرنامج، والتي قرر فيها باسم أن يعلن موقفه للمشاهدين، فقد أكد فيها إنه لا يستطيع تحديد "مع من يقف"، وإنما يستطيع تحديد "مع من لا يقف"، فهو لا يقف مع من يقومون بالتكفير، في إشارة للإسلاميين، ولا مع من يقومون بالتخوين، في إشارة للمعسكر الأمني الموجود في مصر.

في هذه الفقرة أكد على أنه ضد استبدال فاشية تتم باسم الدين بفاشية تتم باسم الأمن القومي، ولكن في نفس الوقت كانت هناك يد تظهر من تحت المكتب لتعبث بأوراقه وتملي عليه ما يقول، في إشارة شديدة الوضوح إلى المنع الذي تتعرض له وسائل الإعلام في "عهد العسكر".

المعد بقناة القاهرة والناس آدم ياسين يقول إنه كان يراهن على إن باسم لن ينتقد الفريق عبد الفتاح السيسي مباشرة وإنما سينتقد من يقومون بصناعته كفرعون جديد للبلاد، وهذا ما حدث بشكل كبير. ويضيف ياسين قائلا: "كنت أراهن على أن باسم سيرمي السنارة في البحيرة الراكدة ثم ينتظر ردود الأفعال". ولكن الأهم كما يقول هو أنه أحيا الأمل في وجود طريق ثالث في مصر بديلاً عن طريق الإسلاميين وعن طريق المعسكر الأمني: "لقد أعاد الكرة لملعبنا بعد أن ظننا أننا طردنا من الملعب".

لم يقترب باسم يوسف من الفريق السيسي سوى في مواضع معدودة، سخر من جملة وزير الدفاع المشهورة: "مصر أم الدنيا .. وهتبقى قد الدنيا". كما سخر من "شوكولاتة السيسي"، وهي شوكولاتة جديدة غزت الأسواق المصرية. بيد أن تركيزه الأكبر كان على محبي السيسي. فقد انتقد، كما يقول آدم ياسين، البرجوازية الباحثة عن الأمان و"الدكر"، أي الذكر، في إشارة للحاكم السلطوي القادر على إعادة الأمور لما كانت عليه قبل 25 يناير. سخر باسم أيضاً من الصيغة الجاهزة التي يواجه بعض محبي الجيش بها كل من لديه رأي مختلف. فأحد مساعديه ينطق في الحلقة بكلمة "انقلاب"، فيسأله باسم "أنت إخوان؟"، ليرد الرجل: "إخوان إيه يا عم أنا مسيحي!"، فيجيب باسم بسخرية: "وفيها إيه؟ ما أوباما رئيس أمريكا وإخوان".

السخرية من الرئيس المؤقت عدلي منصور

في نفس الوقت، قرر باسم يوسف تخصيص جزء من الحلقة للسخرية من الرئيس المؤقت عدلي منصور ومن عدم قدرة الناس على تذكر اسمه، ربما ليبدو موضوعياً وليبرز كونه قادراً على انتقاد الرئيس الحالي كما سبق وأن انتقد مرسي. لاحظ بعض المشاهدين أنه لا يريد لسخريته أن تذهب إلى حدود بعيدة، فقد عرض مقطعاً للسيسي يقول فيه للشعب: "إنتو مش عارفين إن انتو نور عينيا ولا إيه"، وهي الجملة التي كانت مثار السخرية لأسابيع على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه اختار عدم التعليق عليها، ليتساءل البعض: "هل لو كان باسم يوسف ليترك جملة مثل هذه بدون تناولها بالسخرية القاسية لو كانت قد فلتت من الرئيس السابق محمد مرسي؟"

محاولة باسم يوسف أن يكون متوازناً وأن "يسير على شَعرة"، كما وصفه البعض، لم تقنع المؤيدين للجيش، بل أثارت الكثير من ردود الفعل الغاضبة. فقد كتب اللواء والخبير الأمني سامح سيف اليزل في صفحته على الفيسبوك: "لقد هالني ما شاهدته وسمعته من إسفاف وتلميحات جنسية فاضحة وتعليقات لم يجانبها التوفيق على قيادات القوات المسلحة وصلت إلى حد الإساءة الواضحة. بل اعتبر ذلك هجوما مباشرا على القائد العام للجيش والقوات المسلحة، مما يصب بكل تأكيد في صالح جماعة الإخوان ومن يساندنها خاصة وأن البرنامج يحظى بنسبة مشاهدة عالية ..... ما يسئ إلى ثوره الثلاثين من يونيو والقوات المسلحة التي ساندتها".

مصريون في مقهى يتفرجون على الحلقة الجديدة من برنامج باسم يوسف

وأضاف سيف البزل أنه على علم بـ "وجود حالة من الاستياء الشديد في صفوف القوات المسلحة مما أثر على حالتهم المعنوية التي نعمل جميعا على الحفاظ عليها خاصة وأنهم متواجدون بالشارع تحت ظروف معيشية وضغوط غاية في الصعوبة بالإضافة إلى استشهاد العديد منهم بشكل يومي لحماية المصريين ومن ضمنهم الأستاذ باسم يوسف والعاملين معه في برنامجه". تم اتهام باسم أيضاً بأنه "طبيب ضل طريقه للإعلام"، وبأنه "يغار من الفريق السيسي".

بيد أن الفقرة التي استخدمها بكثافة مؤيدو الجيش في التقليل من شأن باسم يوسف هي الفقرة التي استضاف فيها "جماهير"، وهي الشخصية التي قادم باختراعها، وتمثل مصر في الغالب، وفي اتصال هاتفي معها تقول: "احنا بقالنا ستين سنة بناخد. - بتاخدو إيه؟ - ظباط". هذا الإيحاء الجنسي لكلمة بناخد والتي تعني "نُغتصب"، في العامية المصرية، استغله باسم للسخرية من حكم العسكر الذي استمر منذ 1952 وحتى الآن. وبالتالي فقد كانت التهمة الجاهزة لباسم هي تهمة "تشبيه المصريين بالعاهرة". أو "الادعاء أن مصر تُغتصب". ناهيك طبعاً عن الدفع بأن باسم يعتمد على النكات ذات الإيحاءات الجنسية لجذب المشاهدين، وهي التهمة التي طالما لاحق أنصار الرئيس السابق مرسي هذا الإعلامي الساخر بها.

يبدو أن باسم يوسف، حتى مع محاولته لأن يكون موضوعياً ومتوازناً، سيظل المعادلة الصعبة أمام السلطة الجديدة والجيش المصري، صاحب النفوذ الأقوى فيها. فكيف ستتصرف القيادة المصرية الجديدة وخصوصا المؤسسة العسكرية مع هذه الظاهرة؟

 

نائل الطوخي

تحرير:أحمد حسو

حقوق النشر: دويتشه فيله 2013