موت بن لادن الثالث....

يرى الإعلامي والمحلل السياسي المعروف حازم صاغيّة أنه ليس من المبالغة أن يقال إنّ تصفية القياديّ الإرهابيّ أسامة بن لادن في باكستان تملك من الرمزيّة ما يفتح باب عصر جديد، أميركيّ هو الآخر. كما يعتبر أن "الحرب على الإرهاب"، بالسيّئ فيها والجيّد، قد انتهت بعد مقتله.

قُتل أسامة بن لادن على دفعات. موته السياسيّ حصل مع ثورتي تونس ومصر، حين تبيّن أنّ هموم "القاعدة" ليست هموم من انتفضوا من سكّان العالم الإسلاميّ، وأنّ شبّان بلدانه الذين يهتفون "سلميّة، سلميّة" لا يربطهم مطلق رابط بإرهاب "القاعدة".

وقد كان واضحاً أنّ الحكّام المستبدّين والفاسدين، الذين تساقطوا منهم والذين يتساقطون، هم الذين يريدون بعث بن لادن و "قاعدتـ"ه ويسعون إلى إحيائهما وإدامتهما.

بدا ذلك جليّاً في محاولات أولئك الحكّام ردّ التحدّيات التي تواجههم إلى "القاعدة" و "السلفيّين" و "الإرهاب الأصوليّ". ووفق ذاك السيناريو المتهافت، كان هؤلاء الأشباح يمارسون تخريبهم على الأنظمة، في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريّة، بتنسيق وتطابق كاملين مع الولايات المتّحدة الأميركيّة!

فما دام أنّ "الاستقرار" قد غدا علّة وحيدة لبقاء هذه الأنظمة، صار استحضار "القاعدة" واجباً منطقيّاً إن صحّ التعبير. أوليست الوظيفة الأولى لتنظيم بن لادن ضرب الاستقرار ومنعه؟

وهذا انتهى أيضاً، مثلما انتهت أنظمة عربيّة وتنتهي. ذاك أنّ قيام القوّات الأميركيّة بقتل "حليفها" بن لادن دمّر الخرافة، التي تعيّشت الأنظمة عليها مستفيدةً من رطانة "يساريّة" شعبويّة حول التحالف المزعوم بين الطرفين.

"الحرب على الإرهاب" انتهت بمقتل بن لادن

واليوم يمكن القول إنّ "الحرب على الإرهاب"، بالسيّئ فيها والجيّد، قد انتهت. صحيحٌ أنّ أعمالاً انتقاميّة، قاعديّة أو طالبانيّة، قد تحدث هنا وهناك، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ القتل الجسديّ جاء يكرّس قتلاً سياسيّاً لم يعد معه الواقع يتّسع للبن لادنيّة.

وليس من المبالغة أن يقال إنّ تصفية القياديّ الإرهابيّ في باكستان تملك من الرمزيّة ما يفتح باب عصر جديد، أميركيّ هو الآخر. وإذا ما تقدّم التعافي الاقتصاديّ بخطى أكبر، أمكن القول إنّ جدّةً مضاعفة تنتظر أميركا وتنتظر، من ثمّ، العالم. وهذا ما يضاعف أعباء الولايات المتّحدة ومسؤوليّاتها فيما هي تخرج منصورة من "الحرب العالميّة الرابعة"، وفقاً لتسمية افترضت أن "الحرب الباردة" كانت الثالثة.

وفي منطقتنا سيكون هذا الامتحان صعباً، بل أصعب ممّا في سواه من مناطق العالم. ذاك أنّ الدولة الفلسطينيّة مطروحة اليوم بقوّة على الطاولة، وهناك اقتراح بعقد مؤتمر دوليّ بعد عقدين على سقوط الشيوعيّة السوفياتيّة التي كانت أصلاً صاحبة هذا الاقتراح، أي أنّ ما كان يخيف في الاقتراح المذكور لم يعد وارداً. وهناك التحوّل المصريّ الذي يسند هذا المشروع من داخل استراتيجيّة سلاميّة لم تتزحزح القاهرة الجديدة عنها. وهناك، أيضاً، تضعضع جليّ في معسكر الممانعين، من دمشق إلى طهران، يتيح إطلاق هذه الديناميّة السلميّة المفضية إلى إحقاق الحقّ في فلسطين.

وأميركا، معزّزةً بانتصارها الجديد، تستطيع أن تفرض على إسرائيل ما لم يكن في وسعها أن تفرضه قبلاً. فـ "حماس" هي الشجرة، والدولة هي الغابة. وإذا مضت الشجرة تطغى على الغابة، أمكن مهووسين كبن لادن، ومستبدّين كالحكّام المتهاوين، أن يعثروا دائماً على القضايا التي تسمّم منطقتنا وتسمّم العالم.

أمّا إذا أقدمت الولايات المتّحدة على عمل كهذا، صلب ودؤوب، فأمكن الجزم بموت ثالث ينزل ببن لادن الذي لم تكن فلسطين ولا شعبها يعنيان له شيئاً في الحساب الأخير.

 

حازم صاغيّة

حقوق الطبع: الحياة اللندنية 2011