صراع على الهوية....نزاع على السيادة

تعدّ القدس رسميًا منذ الحادي والعشرين من شهر آذار/مارس "عاصمة الثقافة العربية لعام 2009". ومنذ العام 1996 يطلق اجتماع وزراء الثقافة العرب هذا اللقب على عواصم عربية مميَّزة، بغية تكريمها وإبراز قيمتها الثقافية. ولكن من خلال اختيار القدس "عاصمة للثقافة العربية" احتدم الصراع مع الإسرائيليين الذين يؤكدون حقّ السيادة على القدس. يوسف كرواتورو يلقي الضوء على هذه القضية.

شعار القدس عاصمة الثقافة
الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية يحمل مدلولات سياسية تتعلق بالسيادة والهوية الثقافية

​​كان من المقرَّر في الأصل منح بغداد لقب "عاصمة الثقافة العربية لعام 2009" - هذا اللقب الذي يمنحه في كلِّ عام ومنذ العام 1996 وزراء ثقافة الدول العربية الممثَّلة في منظمة اليونسكو إلى واحدة من العواصم العربية. ولكن لم يبد العراقيون أي اهتمام في ذلك. وفي المقابل وافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على اختيار القدس "عاصمة للثقافة العربية لعام 2009" بعد أن سئل في هذا الصدد، وذلك لأنَّه رأى في جعل القدس عاصمة للثقافة العربية فرصة للفت اهتمام الرأي العام العالمي إلى الثقافة الفلسطينية وإلى وضع الفلسطينيين الحرج في القدس الشرقية. ونتيجة لذلك احتدم الصراع مع السلطات الإسرائيلية التي تطالب في حقّ السيادة على القدس.

ليست مجرَّد احتفالية ثقافية

ويدلّ شعار هذه المبادرة على أنَّ اللجنة المشرفة على هذه الاحتفالية والمنبثقة عن السلطة الوطنية الفلسطينية تتطلَّع من خلال هذا المشروع إلى شيء أكثر من الثقافة وحدها؛ إذ يتكوَّن هذا الشعار من نجمة ثمانية مزخرفة فيها رسم يحدّد معالم القدس الشرقية التي تحيط بها أسلاك شائكة. غير أنَّ ما يراه الفلسطينيون على أنَّه احتفال بمحافظتهم على هويَّتهم الثقافية في هذه المدينة المحتلة من قبل إسرائيل، يفهمه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، أفي ديختر Avi Dichter على أنه عمل مقاومة سياسية. فهو يحاول كذلك وبكلِّ قسوة منع جميع النشاطات الثقافية الخاصة بهذه الاحتفالية التي يقيمها الفلسطينيون.

وعلى الرغم من أنَّ الوزير أفي ديختر يبرِّر هذه الإجراءات القمعية التي تتَّخذها السلطات الإسرائيلية من أجل منع الاحتفالية بأنَّ ليس من حقّ السلطة الوطنية الفلسطينية طبقًا لصيغة اتِّفاقية السلام إقامة فعاليات في القدس الشرقية؛ غير أنَّه يتَّضح أنَّ الأمر يتعلَّق هنا بأكثر من مجرَّد صيغة اتِّفاقية سلام وذلك من خلال إقدام الشرطة الإسرائيلية على منع إقامة الحفل الافتتاحي في فترة التحضير له - هذا الحفل الذي كان لا بدّ من إرجائه من شهر كانون الثاني/يناير إلى نهاية شهر آذار/مارس وذلك بسبب الحرب الأخيرة على غزة، كما كان من المقرَّر إقامته في القدس الشرقية.

صورة رمزية
"من الواضح أنَّ السلطات الإسرائيلية لم تتعامل بتسامح مع الاحتفالات الثقافية في القدس"

​​فقد واجه الفلسطينيون الذين كانوا يتظاهرون ضمن مجموعات صغيرة في الحادي والعشرين من شهر آذار/مارس - في اليوم المحدَّد لبدء الاحتفالات - من أجل حقِّهم في الحرية الثقافية مئات من رجال الشرطة الإسرائيلية الذين انتشروا في القدس الشرقية للتصدي للمتظاهرين.

وضمن سياق هذه المواجهات تم اعتقال عشرين شخصًا، كما قامت قوى الأمن الإسرائيلية بتفريق كلِّ اجتماع مشبوه من وجه نظر إسرائيلية وحتى بإلغاء احتفال مدرسي. وكذلك من الواضح أنَّ السلطات الإسرائيلية لم تتعامل بتسامح مع الاحتفالات والفعاليات التضامنية التي كان ينوي إقامتها العرب الإسرائيليون في المناطق العربية داخل إسرائيل - حيث تم منع إقامة حفل كهذا في اليوم نفسه في مدينة الناصرة.

مستقبل المؤسسات الثقافية الفلسطينية في شرقي القدس

وفي آخر المطاف كان لا بدّ من نقل مكان الاحتفالات الافتتاحية الخاصة بعاصمة الثقافة العربية لهذا العام إلى مدينة بيت لحم. ولم يستنكر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ألقى هناك الكلمة الافتتاحية أمام كواليس تعرض مدينة القدس القديمة الإجراءات التي اتَّخذتها إسرائيل وحسب، بل استنكر كذلك الاحتلال وبناء الجدار الفاصل. وفي ذلك يبقى المصير الذي ينتظر العديد من الفعاليات المخطَّط لإقامتها أيضًا في القدس الشرقية - من معارض فولكلورية وفنية وتاريخية، بالإضافة إلى الحفلات الموسيقية ومهرجانات الرقص والمهرجانات المسرحية - غير واضح. وحسب بعض وسائل الإعلام العربية فقد هدَّدت السلطات الإسرائيلية حتى بإلغاء جميع الجمعيات والاتِّحادات الثقافية الفلسطينية الموجودة في هذه المدينة والتي تريد الاستمرار في المشاركة في هذا المشروع.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس
يرى الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اختيار القدس "عاصمة للثقافة العربية لعام 2009" فرصة للفت اهتمام الرأي العام العالمي إلى الثقافة الفلسطينية

​​وهذه الإجراءات الإسرائيلية تؤدِّي إلى إثارة احتجاجات حادة في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية. ولا يرى مقال رئيسي نشرته صحيفة "القدس" في قمع النشاطات الثقافية الفلسطينية إلاَّ مجرَّد استمرار في محاولة إسرائيل "تهويد" الشطر العربي من مدينة القدس على مراحل. وفي هذه الأثناء أصبحت تقام وبصورة شبه يومية في العالم العربي نشاطات احتجاجية وتضامنية.

وكذلك احتج قائد أوركسترا "ديوان الشرق-الغرب" وداعية السلام دانيل بارنبويم على "منع إقامة هذا المهرجان الثقافي الفلسطيني في القدس" من قبل السلطات الإسرائيلية. وأكَّد دانيل بارنبويم المولود في الأرجنتين والذي يحمل بالإضافة إلى جنسيته الإسرائيلية أيضًا جواز سفر فلسطينيًا على أنَّ إقدام السلطات الإسرائيلية مؤخرًا على اعتقال عشرين شخصًا يعملون في هذه الاحتفالية هو دليل على الخوف من تعبير الفلسطينيين عن آرائهم الثقافية.

والآن تريد الجاليات العربية في دول المهجر في أوروبا تقديم الدعم الفعَّال للفلسطينيين؛ إذ أعلن معهد العالم العربي "Institut du Monde Arabe" الباريسي عن نيته لفت الأنظار في هذا العام ومن خلال برنامج نشاطات وفعاليات واسع إلى مشروع القدس عاصمة الثقافة العربية وإلى الثقافة الفلسطينية بجميع جوانبها.

يوسف كرواتورو
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

ولد الدكتور يوسف كرواتورو عام 1960 في حيفا ودرس التاريخ وتاريخ الفن وعلوم الديانة اليهودية في جامعتي القدس وفرايبورغ. وبدأ العمل منذ عام 1988 صحفيًا حرًا في إسرائيل، ومنذ عام 1992 لصالح صحف ألمانية (صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ ونويه تسورشر تسايتونغ). ويقوم منذ عام 1997 بشكل ثابت بكتابة عمود ثقافي في صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ حول موضوعات الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.

قنطرة

مهرجان "القدس العالمي للسينما":
لقاء على أرض مليئة بالألغام
في مهرجان "القدس العالمي للسينما" لهذا العام قدّم مخرجون إسرائيليون وفلسطينيون في أعمالهم الفنية رؤيتهم الشخصية عن "المدينة المقدسة" ذات الصراعات الاجتماعية والدينية وطرحوا رؤيتهم الخاصة بمستقبل الصراع الشرق أوسطي. أيه باخ تعرفنا باثنين من المخرجين وأفلامهما.

حوار مع الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون:
لعبة كمبيوتر في خدمة السلام
وضع الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون نصوص لعبة كمبيوتر تحمل اسم "صانع السلام" في محاولة منه لتعزيز رؤية السلام في الشرق الأوسط. غافرون عرض كذلك في روايته "اغتيال جميل" وجهات نظر غير معتادة بسبره غور العالم الداخلي الخاص بشخص إسرائيلي وقع ضحية الإرهاب وبشخص انتحاري فلسطيني. أريانا ميرزا تحدَّث مع هذا الكاتب الإسرائيلي.

فلسطيني وإسرائيلي في كتاب مشترك:
التحرر من الهوية الجمعية
بغية إنقاذ الخاص من ولوج الإيديولوجية كتب كل من الإسرائيلي إدغار كيريت والفلسطيني سمير اليوسف نصوصًا تناهض تسييس مجتمعيهما. صدر مؤخرًا كتاب يجمع قصصًا قصيرة للكاتبين. تقرير من إعداد لويس غروب.