"النظام الإيراني الآن أضعف بكثير من السابق"

الخبير في الشؤون الإيرانية لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، كريم سجادبور، يسلط الضوء في هذا الحوار الذي أجرته معه بيرغيت كاسبار على الأوضاع المتوتِّرة في إيران بعد موجة الاحتجاجات التي اندلعت ضدّ الرئيس محمود أحمدي نجاد، وكذلك على الاحتمالات التوقعة في الخلاف مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني.

الخبير في الشؤون الإيرانية لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، كريم سجادبور، يسلط الضوء في هذا الحوار الذي أجرته معه بيرغيت كاسبر على الأوضاع المتوتِّرة في إيران بعد موجة الاحتجاجات التي اندلعت ضدّ الرئيس محمود أحمدي نجاد، وكذلك على الاحتمالات المتوقعة في الخلاف مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني.

كريم سجادبور، الصورة www.caregieendownment.org
كريم سجادبور: "من الممكن أن يشكِّل التقارب من الولايات المتَّحدة الأمريكية بالنسبة لخامنئي وللمتشدِّدين في طهران تهديدًا وجوديًا أكثر من الوضع الراهن".

​​ السيد سجادبور، في الرابع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر وبمناسبة الذكرى الثلاثين لاحتلال السفارة الأميركية في طهران من قبل طلاب إيرانيين، خرج من جديد إلى الشوارع وعلى الرغم من التهديدات عشرات الآلاف من المعارضين، ليس فقط في طهران ولكن أيضًا في مدن إيرانية أخرى. فإلى متى ستتمكَّن المعارضة من الحفاظ على الضغط على نظام الرئيس محمود أحمدي نجاد؟

كريم سجادبور:ما يزال المواطنون متأثِّرين جدًا بمشاعر الإهانة والظلم بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها والتي جرت في شهر حزيران/يونيو، كما أنَّ عدد المتظاهرين زاد عن التوقعات بصورة منتظمة. ولكن الناس يعرفون أنَّ هذه العملية سوف تكون طويلة الأمد.

ما هي التطورات السياسية التي تتوقعها في الأشهر المقبلة؟

سجادبور:سوف نشاهد المزيد من التدهور في الوضع الاقتصادي في إيران. وبدلاً من غرس المِجَس باتِّجاه معارضي سياسته الداخلية، سوف يستمر محمود أحمدي نجاد في عزل نفسهه عنهم، وسوف يزداد اتِّساع الفجوات وعمقها. وفي الجامعات سوف تستمرت الاحتجاجات. ولن ينسى الناس بهذه السرعة ما حدث في البلاد، إذ إنَّ معظمهم لديهم إمَّا أصدقاء أو أقارب أصيبوا في الاحتجاجات أو أنَّهم يقبعون الآن في السجون. ولا أحد يتوقَّع حدوث تغيير مثير في المستقبل القريب جدًا.

في المظاهرات التي قادتها المعارضة في الرابع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر كانت تُسمع للمرة الأولى شعارات مثل "يسقط الدكتاتور"، بالإضافة إلى هتافات "أوباما، أوباما - إمَّا أنَّك معهم أو معنا". فهل تعاملت واشنطن حتى الآن بمرونة بالنظر إلى حالة الغليان في إيران؟

سجادبور:أعتقد أنَّ إدارة الولايات المتَّحدة تستطيع التعبير بشكل أقوى عن قلقها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والإساءة للديمقراطية والمجتمع المدني. وبطبيعة الحال لا يمكنها في آخر المطاف أن تتمنى الديموقراطية للإيرانيين أكثر منهم بالذات. والإيرانيون يتحكَّمون بمصيرهم الخاص، وهذا ليس عمل الولايات المتَّحدة الأمريكية.

ولكن يجب على المرء أن يكون حذرًا جدًا، وذلك لأنَّه إذا تحدَّث فقط حول المسألة النووية، فمن الممكن أن يرسل بذلك إشارة خاطئة. ومن الممكن أن يترك ذلك لدى الناس انطباعًا بأنَّ واشنطن مستعدة لعقد صفقة على حسابهم. والثقافة السياسية في إيران تعتبر تآمرية للغاية. وإذا اقتنع الناس بأنَّ الولايات المتَّحدة تعترف بشرعية محمود أحمدي نجاد، فعندها سوف يؤدِّي ذلك إلى إضعاف تحمس المعارضة. وفلسفتنا ينبغي أن تكون عدم التسبب في حدوث أي أضرار.

هل يشعر المعارضون بأنَّهم مخدوعون من الغرب؟

محتجون في إيران، الصورة أ ب
"أوباما، أوباما - إمَّا أنَّك معهم أو معنا" - أعمال عنف في أثناء مظاهرة قامت بها الحركة الخضراء في طهران.

​​ سجادبور:يتَّضح عندما يقرأ المرء مئات من مدوَّنات الناشطين الإيرانيين أنَّهم يخشون من تراجع الغرب. ونقرأ في هذه المدوَّنات على سبيل المثال: "ماذا يجب علينا أن نفعل؟ الولايات المتَّحدة الأمريكية تُتاجر وتعقد صفقات مع هذه الحكومة، والآن نحن نواجه بالإضافة إلى ذلك قوة عظمى". وبكل تأكيد الكثيرون يشعرون بأنَّهم مخدوعون.

هل تعتقد أنَّ الضغوطات السياسية الداخلية يمكن أن تجعل النظام أكثر استعدادًا للتسوية في المسألة النووية؟

سجادبور:أعتقد أنَّه إذا كان يوجد لدى المرء هذا القدر الكبير من المشكلات السياسية الداخلية، فعندئذ لن يرغب أكثر في زيادة الضغط من الخارج. ولكن لا تبدو الحال وكأنَّما يوجد في إيران توافق في الآراء على تقدم تنازلات. ولهذا السبب يريد الإيرانيون تمديد النقاش وعملية التفاوض لأطول فترة ممكنة.

من الممكن ملاحظة بوادر نفاذ الصبر لدى إدارة أوباما، وذلك بعد أن وافقت طهران في البدء على إرسال اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا وفرنسا، لتستعيده لاحقًا وهو مخصب بنسبة أعلى من أجل استخدامه لمفاعل طبي. ولكن بعد ذلك تراجع الإيرانيون عن هذا الاتِّفاق. فإلى متى سوف يراهن أوباما على المسار الدبلوماسي؟

سجادبور:لقد كرَّست إدارة أوباما نفسها للدبلوماسية، وهي تحاول التوصّل إلى حلّ وسط. وفي عهد الرئيس جورج دبليو بوش كان هدف الإدارة الأمريكية يكمن في منع إيران من تخصيب اليورانيوم. وإدارة أوباما تسعى فقط إلى منع طهران من جعل برنامجها النووي قادرًا على إنتاج أسلحة نووية، على الرغم من أنَّها لم تعلن ذلك بشكل علني بعد. وانطباعي أنَّ لا أحد هنا يعتقد حقًا بأنَّه ما يزال من الممكن التوصّل إلى حلّ يضمن عدم تخصيب اليورانيوم. ولكن تتم في واشنطن ممارسة ضغوطات سياسية داخلية كبيرة من أجل اتِّباع مسار أكثر تشددًا.

ولكن إذا لم يتم التوصّل إلى تسوية على أساس اقتراح الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فعندئذ سوف يتم تشديد العقوبات ضد إيران. فما مدى الفرص التي تتيحها العقوبات لجعل محمود أحمدي نجاد يتخلى عن سياسته؟

الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الصورة أ ب
على العكس من إدارة جورج دبليو بوش، كرَّست إدارة أوباما نفسها للدبلوماسية في الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني، ويبدو أنَّ احتمال القيام بضربة عسكرية غير وارد.

​​ سجادبور:لا أعتقد أنَّ احتمال تمكّن العقوبات وحدها من حمل الحكومة الإيرانية على القبول بتسوية مهمة يعتبر احتمالاً كبيرًا جدًا؛ إذ إنَّ ذلك ظهر في الماضي. فهذا النظام على استعداد لتحمّل مشكلات اقتصادية ضخمة من أجل الحفاظ على أهدافه الإيديولوجية. ولكنهم اليوم أضعف بكثير من السابق، وذلك لأسباب منها انخفاض أسعار النفط.

وإدارة أوباما تعتقد أن توسيع العقوبات يعد أكثر أهمية من عمقها. وهذا يعني كلما زادت شدة الدعم الدولي واتِّساعه، سوف يدفع ذلك الإيرانيين أكثر إلى التفكير، وعلى العكس من تأثير تشديد العقوبات الأوروبية والأمريكية. ومن وجهة النظر الإيرانية سوف يصبح الوضع مثيرًا للقلق، في حال قيام الروس والصينيين بدعم هذه العقوبات.

إدارة أوباما بدورها لم تستبعد تمامًا اللجوء إلى الخيار العسكري ضدّ إيران. فما هي الظروف التي ترى في ظلها أنَّ قيام الولايات المتَّحدة الأمريكية بضربة عسكرية يعتبر أمرًا ممكنًا؟

سجادبور:هذا الاحتمال غير وارد كثيرًا. فأفغانستان أصبحت بالنسبة لأوباما مشكلة سياسية داخلية صعبة، وآخر ما ترغب فيه واشنطن الآن هو فتح جبهة جديدة تزيد من حدة المشكلات في أفغانستان وفي العراق. ومن الممكن أن يتغيَّر هذا، إذا أعلن الإيرانيون فجأة عن إنهاء تعاونهم بشكل تام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بيد أنَّهم أذكى من الإقدام على فعل ذلك.

ولكنَّني أخشى من أنَّه إذا كانت هذه المفاوضات لن تؤدِّي إلى أي نتيجة، فعندها سوف تكون واشنطن العام القادم في وضع صعب تجاه إسرائيل. ومن الممكن أن يجد الإسرائيليون أنفسهم مجبرين على القيام بعمل عسكري. كما أنَّ الكثيرين في الإدارة الأمريكية يعتقدون أنَّ إسرائيل لن تطلب الإذن من الأمريكيين، إذا شعرت أنَّها مهدَّدة في وجودها.

لقد قال محمد البرادعي الذي كان حتى نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لصحيفة "نيويورك تايمز" إنَّ في طهران ارتيابًا شديدًا تجاه واشنطن. السيد سجادبور، لقد قمت بإعداد دراسة حول خطب وكتابات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي. فهل يعتبر أقوى رجل في طهران في الواقع معاديًا لواشنطن إلى هذا الحدّ؟

عوائل المعتقلين في سجن إيفين في طهران، الصورة أ ب
تم بأمر من أحمدي نجاد اعتقال العديد من ممثِّلي المنظمات غير الحكومية وزجِّهم في سجن إيفين سيء السمعة، بتهمة تهديد الجمهورية الإسلامية من خلال "الثورة المخملية".

​​ سجادبور:أعتقد ذلك بكلِّ تأكيد. وكذلك "أبو الثورة الإسلامية"، آية الله روح الله الخميني الذي يعتبر مرشد خامنئي، كان يصف العلاقة بين الولايات المتَّحدة الأمريكية وإيران على أنَّها علاقة الذئب مع الغنم. وبالنسبة لخميني كان يشكِّل العداء تجاه الولايات المتَّحدة الأمريكية ركنًا مهمًا من أركان الثورة. وكذلك أصبح هذا العداء محورًا أساسيًا في هوية الجمهورية الإسلامية وخامنئي أعاد هذا الشعار قبل فترة غير بعيدة.

ولكن في فترة الأزمة الوجودية - التي نشاهدها منذ أربعة أشهر - يعتبر البقاء الأمر الأهم. ولهذا السبب فهو مستعد الآن لإجراء محادثات، من أجل خفض حدة التوتّر. ولكن هل سوف يستيقظ في الصباح ويتساءل: "كيف يمكننا اليوم التوصّل إلى صفقة مع الولايات المتَّحدة الأمريكية؟" - لا أعتقد أنَّ هذا يتَّفق مع نظرة خامنئي إلى العالم.

بحسب رأيك ما هو أكثر شيء يخشاه؟

سجادبور:في العقدين الأخيرين لم يترك خامنئي في خطبه وكتاباته أي مجال للشكّ في عدم الثقة في الولايات المتَّحدة الأمريكية. والمثير للاهتمام أنَّه لا يخشى من أي هجوم عسكري. وفي المقابل فهو مهووس بفكرة "الثورة المخملية". وخامنئي يعتقد أنَّ المزيد من التفاعل بين إيران والولايات المتَّحدة الأمريكية والحضور الأمريكي أو الغربي الكبير في إيران، يمكن أن يقضي على طبيعة الجمهورية الإسلامية ويعرِّض سلطة رجال الدين للخطرة.

وبالتالي من الممكن أن يشكِّل على نحو ما التقارب من الولايات المتَّحدة الأمريكية بالنسبة لخامنئي وللمتشدِّدين في طهران تهديدًا وجوديًا أكثر من الوضع الراهن. ولهذا السبب فأنا أشكّ كثيرًا في أنَّ القيادة الحالية في طهران ترغب حقًا في إحداث تغيير جذري في العلاقة مع واشنطن. ولن أصدِّق ذلك إلاَّ عندما أرى أنَّها تنفِّذ الاتِّفاقات مع الغرب من دون مماطلة
وجدال.

أجرت الحوار بيرغيت كاسبر
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

تاريخ البرنامج النووي الإيراني:
"الفكر النووي الإيراني".....دروس التاريخ ومخاوف المستقبل

تعود فكرة البرامج النووي الإيراني إلى سبعينيات القرن الماضي وذلك على الرغم من أن فكرة الأسلحة الذرية كانت تعتبر لدى القيادة الإيرانية "غير إسلامية". بيد أن تجرب الحرب العراقية الإيرانية أدت إلى قناعة طهران السياسية بأن البلاد بحاجة إلى هذا النوع من الأسلحة كنوع من الردع ولتحسين موقعها كقوة إقليمية. كتاجون أميربور تلقي الضوء على تطور تاريخ البرنامج النووي الإيراني.

فولكر بيرتيس: "إيران – تحديات سياسية":
إيران بلد الاختلافات ودولة الإشكاليات

بواقعية وموضوعية قام فولكر بيرتيس، الخبير بشئون الشرق الأوسط ومدير مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، في كتابه "إيران – تحديات سياسية" بتحليل طبيعة الجدل والإشكاليات المحيطة بالسياسة الإيرانية خارجيا وداخليا. كما نجح، على وجه الخصوص، في تحليل المجتمع الإيراني وعرض الاختلافات والتباينات داخله بصورة رائعة. سباستيان سونس يعرفنا بهذا الكتاب.

عرض كتاب: "إيران في السياسة الدولية"
الأوجه المختلفة لجمهورية إيران الإسلامية

في كتابه يصف أرشين أديب مُقَدِّم التجليات المختلفة لجمهورية إيران الإسلامية – من اليوتوبية الإسلامية في الفترة المبكرة من الثورة، إلى حرب الخليج الأولى، وصولاً إلى المواجهة الحالية بين المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني الحالي. أندريه بانك قرأ الكتاب ويعرفنا به.