موائمة صعبة بين الخصوصية الثقافية في المغرب ومضامين المواثيق الدولية

عاد النقاش حول أولوية المرجعية الدولية على القوانين الوطنية إلى المشهد السياسي المغربي مرة أخرى بعد إقرار الدستور الجديد في ظل تباين واضح في المواقف بين القوى الإسلامية واليسارية في التعاطي مع هذه الإشكالية.

Von عبد المولى بوخريص



أفرز النقاش الذي واكب عملية مراجعة الدستور المغربي والمصادقة عليه، موقفين متباينين بشأن التعامل مع قضية ملاءمة القوانين الوطنية للمواثيق الدولية، يرتكز الأول على أولوية المرجعية الكونية والاتفاقيات الدولية، وينبني الموقف الثاني على سمو القوانين الوطنية على كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. ويستند أصحاب هذا الاتجاه في المغرب على الدستور، الذي ينص على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة، وعلى معطى ثقافي يقوم على أساس أن المجتمع المغربي مجتمع مسلم ولا يمكن فرض أي قانون فيه لا يحترم خصوصياته الدينية.

التيار الإسلامي: "كل الاتفاقيات مقبولة ما دامت لا تتعارض مع الثوابت"

نبيل بنعبدالله
نبيل بنعبدالله: تطالب الأحزاب اليسارية المغربية بجعل المواثيق الدولية تسمو على القوانين الوطنية

​​يدافع التيار الإسلامي على العمل بالقوانين الدولية بشكل لا يتعارض مع الثوابت الوطنية والدينية، وبشكل يحفظ خصوصية الدولة، إذ يرى عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي، أن "الاتفاقيات الصادرة عن الأمم المتحدة مقبولة في المغرب، لكننا دولة لها خصوصياتها وهي الإسلام، فعندنا مرجعية أعلى، وحتى لا يتم الاصطدام بهذه المرجعية حال المصادقة على المعاهدات الدولية، فالدستور المغربي الجديد يقول بأن هذه المواثيق تعرض على البرلمان ثم على المجلس الدستوري". ويضيف بنكيران في نفس السياق: "إذا كنا ملزمين بالموافقة على أية معاهدة يصدرها الغرب فلن يكون لنا رأي، وهذا يعد استعمارا جديدا".

وينص الدستور المغربي الجديد في الفصل 19، على أن "الرجل والمرأة يتمتعان على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها."
هذا الفصل أثار جدلا واسعا في صفوف الحركات المدافعة عن حقوق المرأة بالمغرب، غير أن النقطة التي استفاض فيها النقاش هي تلك الخاصة بالمساواة في الإرث. ومن جهته اعتبر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، هذه الأصوات "منفردة وليس لها وزن سياسي، فهي ليست حزبا أو هيأة سياسية، وهذا المطلب غير مقبول إطلاقا، لان النص القرآني صريح في هذه المسألة، وما دام كذلك فلا مجال للتأويل".

اليسار المغربي: "الأولوية للمرجعية الدولية"

في مقابل هذا التوجه الإسلامي الذي يوصف بالمعتدل، يبرز تيار علماني يدعو بشكل واضح إلى احترام أولية المرجعية الدولية على القوانين الوطنية بما فيها المرجعية الإسلامية، وبأنه في حالة وجود تعارض بين المرجعية الدولية والمرجعية الإسلامية ينبغي تقديم المرجعية الدولية، وهو ما تؤكده الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
وفي هذا الاطار يرى نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية اليساري المغربي في حديث لدويتشه فيله، "أنه في إطار التأقلم مع المنظومة القانونية الدولية، يجب أن يكون هناك سمو للتشريعات الدولية على القوانين الوطنية، وهذا ما نص عليه الدستور الجديد، طالما أن البرلمان المغربي يصادق على هذه المعاهدات".

حق التحفظ: حفظ للثوابت الوطنية أم إفراغ لمضامين المواثيق الدولية

ترتب عن الفصل التاسع عشر من الدستور المغربي الجديد جدل واسع في صفوف الحركات المدافعة عن حقوق المرأة بالمغرب
ترتب عن الفصل التاسع عشر من الدستور المغربي الجديد جدل واسع في صفوف الحركات المدافعة عن حقوق المرأة بالمغرب

​​تمارس دول العالم حق التحفظ الذي يكفله القانون الدولي بموجب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الصادرة سنة 1969 على بعض البنود التي ترى، من وجهة نظرها، أنها لا تتوافق وقوانينها الداخلية. وانطلاقا من كون المغرب بلدا إسلاميا تحفظ هو الآخر على مجموعة من المعاهدات، الغير منسجمة مع المرجعية الإسلامية للدولة، خاصة المادة الثانية من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والتي عبر عن استعداده لتطبيق أحكامها بشرط ''ألا تمس متطلبات الدستور، التي تنظم قواعد وراثة عرش المملكة المغربية أو أن لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية''.

ويشرح المدير التنفيذي للمركز المغربي للدراسات الإستراتيجية والدولية محمد فقيهي هذا الموقف مشيرا إلى أن "الدستور المغربي الجديد وضع حدودا للمعاهدات الدولية لجعلها تسمو على المواثيق الوطنية، وهذه الحدود هي الهوية العربية الإسلامية للمجتمع المغربي، وما لم تكن مقتضيات تلك المواثيق الدولية تتعارض ومقومات الدولة المغربية فإنها تسمو على القوانين الداخلية". وفي رده حول ما إذا كانت ممارسة حق التحفظ تفرغ المعاهدات الدولية من مضامينها، اعتبر فقيهي "أن التحفظ يكون فقط على بند أو مجموعة ضيقة من البنود، والأمر لا يغير شيئا في واقع تلك المواثيق".

وليست الدول العربية هي الوحيدة التي مارست حق التحفظ، فالولايات المتحدة الأمريكية لم توقع على الاتفاقية الدولية بخصوص إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو". وعلاوة على ذلك فهى تعتبر من الدول التي ترفض التوقيع على عدد من الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية "كيوطو" حول البيئة، والمحكمة الجنائية الدولية. كما أن الصين بدرها سجلت تحفظا على البند 29 من اتفاقية "سيداو"، وتحفظت اسبانيا على البند الخاص بوراثة العرش.

المدير التنفيذي للمركز المغربي للدراسات الإستراتيجية والدولية محمد فقيهي علق على هذه المفارقة في تقييم استعمال حق التحفظ بالإشارة أن "انتقاد حق التحفظ لا يتم إلا إذا مارسته دولة عربية، فكلما تناقضت بعض مقتضيات تلك المواثيق الدولية مع مبدأ من مبادئ الدين الإسلامي تصبح القضية موضوع نقاش ومؤاخذات كبيرة من قبل الدول العربية، وهذا نوع من سياسة الكيل بمكيالين".

 

عبد المولى بوخريص
مراجعة: لؤي المدهون
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011