بعد إخفاقه بمكافحة الفقر لم يبقَ لحزب مودي الهندي إلا الشعبوية ضد المسلمين للفوز في انتخابات 2019

صعدت الانتخابات العامة التي جرت في الهند عام 2014  بـ "حزب بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي إلى السلطة بعدما حقق فوزا مدويا،  بقيادة ناريندا مودي الذي صار رئيسا للوزراء، والذي كان بشر بأن البلاد على موعد مع "أيام سعيدة" في المستقبل.

وكانت الوعود التي قطعها مودي على نفسه خلال الحملة الانتخابية بتحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على الفساد وإجراء إصلاحات اقتصادية رئيسية، كفيلة بأن  تسفر عن تحقيق الأغلبية البرلمانية لحزب واحد لأول مرة في البلاد منذ ثلاثة عقود.

وبعد خمس سنوات، تتحول الانتخابات العامة التي بدأت يوم الخميس 11 / 04 / 2019 الحادي عشر من نيسان / أبريل 2019، إلى استفتاء على رئيس الوزراء، حيث يدور النقاش في أنحاء البلاد حاليا بشأن ما إذا كان الزعيم القوي قدأوفى بتعهداته.

ولا يبدو أن رئيس الوزراء مودي قد أوفى بوعده الخاص بإعادة إطلاق الاقتصاد الهندي الذي يعاني من الركود. وكان معدل نمو إجمالي الناتج المحلي للبلاد  وصل إلى 7 بالمئة في شهر آذار/مارس 2019، في معدل هو الأبطأ خلال فترة رئاسة مودي للحكومة.

ويقول خبير الاقتصاد، ميتريش جاتاك، إن هذا المعدل أقل من أن يقارن بما تحقق خلال العقد الماضي، ولا يعد مؤشرا على انتعاش اقتصادي كبير.

ويعتقد خبراء الاقتصاد أن الهند بحاجة إلى العمل من أجل تحقيق معدل نمو يربو على 7 بالمئة لانتشال الملايين من سكان البلاد من براثن الفقر.

كما تعهد مودي بتوفير عشرة ملايين فرصة عمل جديدة، ووضع حد لأزمة اقتصادية طال أمدها. وقفز معدل البطالة في الهند إلى أعلى مستوياته خلال 45 عاما، عندما وصل إلى 6.5 بالمئة في العام المالي 2018-2017، مقارنة بـ 2.2 بالمئة في العام المالي 2012-2011، بحسب بيانات أوردتها تقارير إعلامية محلية استنادا إلى المكتب الوطني للدراسات الاستقصائية.

وترفض الحكومة الهندية هذه المزاعم وتؤكد موقفها ببيانات "صندوق ادخار الموظفين" التي تظهر زيادة كبيرة في الوظائف خلال الأشهر القليلة الماضية، وهي الأعلى خلال 17 شهرا.

كما مضت الأزمة  الزراعية في الهند من سيء إلى أسوأ، مما أجبر مودي، على نحو متأخر، على إطلاق برنامج بقيمة مليارات الدولارات لدعم المزارعين الذين يرزحون تحت نير الديون جراء مواسم الجفاف المتكررة والأضرار المتفاقمة التي أصابت المحاصيل الزراعية.

أما القضية الأكثر إثارة للجدل خلال سنوات مودي على رأس الحكومة الهندية، فكانت سحب كميات ضخمة من عملات الفئات الكبيرة من التداول في إطار مكافحة الفساد. فقد أعلن مودي في تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2016 سحب قرابة 14 تريليون روبية، من فئتي 500 و 1000 روبية، أي ما يعادل 86 بالمئة من إجمالي العملة المتداولة في الأسواق آنذاك، لن تكون عملة رسمية.

وقد أصابت هذه الخطوة الاقتصاد الهندي الذي يعتمد على السيولة النقدية بنكسة، وكان قطاع الشركات الصغيرة الأكثر تضررا.

وعلى الرغم من ذلك كله، يعود الفضل إلى مودي في تنفيذ إصلاحات مالية وهيكلية جوهرية، وتمثل "ضريبة البضائع والخدمات" أهم إنجازات رئيس الوزراء الاقتصادية، حيث أنها ساهمت بشكل كبير في الحد من التهرب الضريبي، وفقا لجوتام تشكيرمان، نائب رئيس المركز البحثي "أوبزرفر ريسيرش فاونديشن".

ويضيف تشكيرمان إنه بالرغم من أن تنفيذ هذه الضريبة المعقدة، التي حولت الولايات الهندية الـ 29 إلى سوق واحدة، اتسم بنوع من عدم التنظيم، فإن الاقتصاد الهندي قد بدأ يجني ثمارها. وكان الأثر الأبرز لهذه الخطوة توسيع القاعدة الضريبية غير المباشرة.

ويبدو أن مودي قد حقق نجاحا كبيرا في كبح جماح الفساد المتفشي الذي كانت حكومة حزب "المؤتمر الوطني الهندي" السابقة ابتليت به.

ودفعت أحزاب المعارضة العام الماضي 2018 باتجاه إجراء تحقيق في مخالفات مالية مزعومة تتعلق بصفقة شراء الهند 36 مقاتلة فرنسية طراز "رافال"، بقيمة تزيد عن ثمانية مليارات دولار. ولكن القضاء قضى برفض هذه المزاعم.

كما وجهت حكومة مودي استثمارات ضخمة إلى قطاعات البنية التحتية، مما أسفر عن الإسراع بوتيرة إنجاز مشروعات الطريق السريعة والموانئ والمطارات والممرات الملاحية.

كما انهال الثناء على مودي فيما يتعلق بصعيد السياسة الخارجية للهند، حيث دب الدفء في أوصال علاقات الهند مع الولايات المتحدة واليابان، في نفس الوقت الذي سعت فيه نيودلهي إلى تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا. وأقام مودي علاقات قوية مع إسرائيل وعزز التواصل مع العالم العربي.

وتظل باكستان التحدي الأكبر الذي يواجه الهند، فقد أوشكت الجارتان النوويتان على خوض مواجهة عسكرية أمام بعضهما البعض في شهر شباط / فبراير 2019 بعدما قامت مقاتلات سلاح الجوي الهندي بقصف معسكرات مزعومة لمسلحين داخل الأراضي الباكستانية انتقاما لمقتل 40 من العسكريين الهنود غير النظامين في هجوم انتحاري إرهابي بإقليم كشمير.

وكانت هذه الغارات الجوية بمثابة نقطة تحول خطيرة على مسار السياسة الخارجية للهند. ويقول تشكيرمان: "لم تعد الهند الفتى الطيب في حلبة السياسة الخارجية العالمية... يمكنها الآن أن تصبح عدوانية إذا ما تعرضت مصالحها للضرر. تثبت الهند الآن قوتها الضارية على صعيد السياسة الخارجية".

أما على صعيد الداخل الهندي، فقد حدث خلال سنوات رئاسة مودي للحكومة أن تنامت التوترات الدينية ومظاهر التمييز على أساس طائفي، وأيضا الهجوم ضد حرية التعبير.

كما حدث ارتفاع حاد في الهجمات التي يستهدف بها متطرفون هندوس المسلمين وأفراد الطبقات الدنيا من المجتمع والمعروفين باسم "المنبوذين" والذين يشتبه في أنهم يقومون بذبح الأبقار وتهريب لحومها. يشار إلى أن الأبقار مقدسة عند معظم الهندوس في الهند.

وتعرض رئيس الوزراء مودي لانتقادات عنيفة بسبب عدم تبني موقف متشدد إزاء العنف الطائفي، حيث تشعر الأقليات بالإقصاء.

و أصيب أشد مؤيدي مودي بخيبة أمل بسبب إخفاق البرامج التي كانت تهدف إلى مساعدة الفقراء وأيضا حملات النظافة الوطنية ومشروع التأمين الصحي الذي تموله الدولة.

ولم يعد  "بهاراتيا جاناتا" قادرا على أن يقدم نفسه كونه "حزب الفرص الاقتصادية" في الانتخابات المقبلة لكسب أصوات الناخبين، كما فعل قبل خمس سنوات، بل إنه يعتمد هذه المرة على القومية الهندوسية والقضايا الخلافية المثارة بين الهندوس والمسلمين بالإضافة إلى التهديدات القادمة من باكستان.

ولكن، ورغم الصعوبات التي تواجه مودي، يبدو حزب "المؤتمر الوطني الهندي" المعارض وحلفائه غير قادرين على إثارة تحديات ضخمة على طريق رئيس الوزراء، ويظل من غير الواضح ما إذا كان النهج البديل القائم على الأمل سيجدي نفعا.

ويقول بالفيندر سينغ، أحد سكان العاصمة الهندية نيودلهي: "ثمة خيبة أمل إزاء الاخفاق في إدراك حلم: الأيام السعيدة... ولكن الناس في الهند في ورطة... حيث يتعين عليهم الاختيار بين اثنتين كلتاهما نار". د ب أ