اليمن - هل من تستر على انتشار كورونا في صنعاء؟ وازدياد الوفيات في عدن مؤشر على احتمال التفشي

اتهمت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية خصومها الحوثيين بالتستر على انتشار فيروس كورونا على نطاق واسع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وحذرت الأمم المتحدة من احتمال أن تواجه البلاد وضعا "كارثيا" فيما يتعلق بالأمن الغذائي بسبب الجائحة.

كما دعت الحكومة التي تعمل انطلاقا من عدن إلى تقديم مساعدات عالمية عاجلة لمساعدة قطاع الصحة في اليمن على التصدي للفيروس.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن الفيروس ينتشر في غياب عمليات الرصد بين سكان البلد المقسم بين الحكومة في الشطر الجنوبي وجماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في الشطر الشمالي.

وقد تسبب الصراع الدائر بين التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين فيما تصفه الأمم المتحدة بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم إذ يعتمد نحو 80 في المئة من سكان اليمن على المساعدات ويواجه الملايين الجوع.

وقال وزير الإدارة المحلية اليمني عبد الرقيب فتح في مؤتمر صحفي يوم الأحد إن تقارير تشير إلى وجود عدد كبير من حالات الإصابة بفيروس كورونا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وإن إخفاء المعلومات غير مقبول على الإطلاق.

وحث الوزير منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي على الضغط على الحوثيين للكشف عن الحالات. وتنفي حركة الحوثي التي أطاحت بالحكومة المعترف بها دوليا وأخرجتها من صنعاء في أواخر 2014 تلك الاتهامات. ويوم السبت أعلن وزير الصحة في حكومة الحركة اكتشاف حالتي إصابة وقال إن الوزارة تتابع الحالات المشتبه بها كلها لكنه لم يذكر رقما محددا.

وتقول منظمة الصحة العالمية إنها تنصح السلطات المحلية في مختلف أنحاء اليمن الذي يملك قدرات محدودة لإجراء اختبارات الكشف عن الفيروس بالإعلان عن الحالات من أجل الحصول على الموارد اللازمة لكن قرار الكشف عن الحالات يرجع إلى القيادات اليمنية.

وكانت مصادر قالت لرويترز إن الجانبين لم يكشفا بالكامل عن مدى انتشار الفيروس في البلاد التي تعاني بالفعل من أمراض أخرى.

وقال وزير الصحة في الحكومة المدعومة من السعودية إن اليمن يحتاج مساعدات مالية عاجلة وأدوات الوقاية للعاملين في مجال الصحة بالإضافة إلى أجهزة التنفس والمعدات والمواد اللازمة لإجراء الفحص.

ويرزح اليمن تحت وطأة العنف منذ تدخل التحالف المدعوم من الغرب في مارس آذار 2015 لمحاربة الحوثيين.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة يوم الاثنين إن الجوع قد ينتشر على نطاق واسع بسبب الجائحة. وقال عبد السلام ولد أحمد المسؤول الإقليمي في المنظمة لرويترز: "الوضع قد يكون كارثيا فعلا إذا تحققت كل عناصر أسوأ سيناريو لكن لنأمل ألا يحدث ذلك والأمم المتحدة تعمل على تجنب ذلك".

وقالت الولايات المتحدة في السادس من مايو أيار إنها ستقدم 225 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي لمساعدة اليمن بما في ذلك العمليات المتقلصة في الشطر الشمالي.

وكان برنامج الأغذية العالمي قال إنه سيخفض إلى النصف المساعدات في مناطق الحوثيين اعتبارا من منتصف أبريل نيسان 2020 بسبب مخاوف المانحين من أن الجماعة تعرقل تسليم المساعدات. وينفي الحوثيون ذلك الاتهام.

وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن يوم الخميس إن تقدما كبيرا تحقق في سبيل تدعيم هدنة مؤقتة كانت الجائحة هي الدافع لتطبيقها وتمهيد الطريق لاستئناف مباحثات السلام المتعثرة.

ازدياد الوفيات في جنوب اليمن مؤشر على احتمال تفشي كورونا المستجد

ويثير ازدياد حالات الوفاة جراء الأمراض في مدينة عدن جنوب اليمن منذ بداية أيار/مايو 2020 قلق خبراء الصحة والمنظمات الإنسانية من احتمال تفشي فيروس كورونا المستجد في ظل عجز السلطات عن التعرف على الإصابات بشكل دقيق.

وكانت اللجنة الوطنية العليا للطوارئ لمواجهة وباء كورونا، وهي الجهة الحكومية المخوّلة الإعلان عن الإصابات وملاحقتها، أفادت الشهر الماضي بوجود أولى الحالات في البلاد الفقيرة الغارقة في الحرب والتي تواجه الكوليرا والملاريا وحمى الضنك بقطاع صحي مدمّر بفعل سنوات النزاع الست.

والسبت، أعلنت مصلحة الأحوال المدنية في عدن وفاة عشرات الأشخاص بأمراض لم يعرف بعد ما إذا كانت مرتبطة بفيروس كورونا المستجد.

وقال رئيس المصلحة التي تصدر شهادات الوفاة اللواء سند جميل لوكالة فرانس برس "توفي خلال الساعات 24 الماضية في مدينة عدن أكثر من 80 حالة نتيجة الأوبئة والحميات المنتشرة في عدن". وأكد أنّ مصلحته تصدر في العادة سبع شهادات وفاة فقط في اليوم الواحد، لكن عدد الوفيات منذ 7 أيار/مايو بلغ 607 حالة وفاة.

وبحسب صدام الحيدري الطبيب في إحدى مستشفيات المدينة التي يسكنها 550 ألف شخص، فإنّ عدد الوفيات تضاعف بنحو سبع مرات في الأسابيع الأخيرة في المدينة المتنازع عليها بين الحكومة المعترف بها دوليا ومجموعات انفصالية تسيطر عليها حاليا.

وتعاني السلطات المحلية في تحديد أسباب الوفيات، إلا أن محمد الشماع مدير برامج "سيف ذي تشلدرن" في اليمن قال إنّ "فرقنا على الأرض ترى الناس يتنفسون بصعوبة وينهارون حتى. (...) هؤلاء الناس يموتون لأنهم لا يستطيعون تلقي العلاج الذي من شأنه أن ينقذهم".

بالنسبة إلى ياسر بامعلم الطبيب في مستشفى الجمهورية في عدن، فإن سكان المدينة الساحلية "أمام كارثة". وأوضح "توجد أمراض مختلفة (...) لكن الوفيات كانت قليلة جدا. ومع بدء انتشار كورونا، ارتفعت الوفيات بشكل كبير في عدن"، معتبرا ان "الاحتمال الأكبر (...) وباء كورونا لأن الحالات تحمل نفس عوارضه".

ولا يوجد في عدن "فحص خاص لكورونا غير المختبر المركزي، والمحاليل المتوفرة قليلة جدا، ولذلك لا تخضع الحالات المخالطة لأي فحص".

وسجّل اليمن رسميا حتى الآن 124 إصابة الوباء بينها 18 وفاة في مناطق سيطرة الحكومة ووفاة واحدة في صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين.

ويشهد اليمن نزاعا مسلّحا على السلطة منذ 2014 حين سيطر الحوثيون على صنعاء وانطلقوا نحو مناطق أخرى، قبل أن تتصاعد حدّة المعارك مع تدخّل السعودية على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015 دعماً للحكومة في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران.

وقُتل في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية منذ بدء عمليات التحالف آلاف المدنيين، فيما انهار قطاعها الصحي وسط نقص حاد في الأدوية وانتشار أمراض وأوبئة كالكوليرا الذي تسبّب بوفاة المئات، في وقت يعيش الملايين على حافّة المجاعة.

كانت منظمات إغاثية حذرت من أن وصول كورونا ينذر بكارثة بسبب القطاع الصحي المنهار بفعل سنوات الحرب.

تخضع عدن لسيطرة الانفصاليين الذين يدعون لاستقلال جنوب البلاد الذي كان دولة منفصلة قبل الوحدة في العام 1990.

ولا تتّبع المدينة سياسة فعالة للتباعد الاجتماعي في مواجهة الفيروس، ولا توجد مراكز فحص ولا مواقع للحجر الصحي للمرضى.

وتم إجراء حملات تعقيم، ولكن بسبب نقص المعدات توقفت المستشفيات عن قبول المرضى الذين يعانون من أعراض مشابهة لأعضاء وباء كورونا المستجد، بينما ترك أطباء وظائفهم بسبب الضغوط ووفاة زملاء لهم، وفقًا لروايات عاملين صحيين. ونقلت صحيفة "الأيام" عن جميل أنّ ثلاثة أطباء توفوا في المدينة في الأيام العشرة الأخيرة.

وفي مستشفى الكوبي الخاص، ازداد تدفق المرضى من 150 حالة يوميا إلى 400، في ظل تقلّص أعداد الأطباء بعدما التزم كثير منهم منازلهم في أعقاب وفاة آخرين، بحسب مدير المستشفى ياسر الناصري.

وحذر من انّه "لا يوجد اهتمام بالأزمة الصحية التي تعانيها عدن، فالصراع بين الحكومة والشرعية والانتقالي (المجلس المؤيد للانفصال) والحرب الدائرة في أبين القريبة من عدن عمّقت المأساة".

وتشهد مناطق قريبة من عدن مواجهات منذ إعلان الانفصاليين "إدارة ذاتية" في جنوب البلاد في 26 نيسان/أبريل 2020 في أعقاب فشل اتفاق مع الحكومة لتقاسم السلطة، بينما تشهد أبين معارك بين قوات الحكومية والمتمردين الحوثيين.

وفيما يتواصل النزاع، قال بامعلم إنّ هناك حاجة لوضع "خطة انقاذ" جراء تفشي فيروس كورونا المستجد. وتابع: "نعوّل على المنظمات الدولية". رويترز / أ ف ب 18 مايو أيار 2020