آيا صوفيا تتوج حملة إردوغان الطويلة الرامية لوضع الإسلام في صميم جمهورية كانت موغلة في العلمانية

إردوغان يتوج حملته لإعادة مكانة الإسلام في تركيا بالصلاة في آيا صوفيا: حضر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أولى الصلوات في آيا صوفيا منذ إعادة الأثر القديم إلى مسجد يوم الجمعة 24 يوليو / تموز 2020، متوجا حملته الطويلة لوضع الإسلام في صميم الحياة العامة لجمهورية كانت في السابق موغلة في العلمانية.

على مدى 17 عاما في السلطة، غير إردوغان وحزبه العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية وجه تركيا الحديثة، ونزع أقفال الحظر على الحجاب في الأماكن العامة، ورفع لواء الدفاع عن التعليم الديني وبنى آلاف المساجد في جميع أنحاء البلاد.

وفي الوقت الذي استبقى فيه الدستور العلماني، الذي صاغه مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، يبدل إردوغان شكل الحياة في البلد الذي كان يقوده أتاتورك قبل نحو قرن من الزمان.

وفيما يلي بعض التغييرات الرئيسية في ظل حكم إردوغان:

الحجاب

رفعت تركيا الحظر على ارتداء الحجاب في مؤسسات الدولة في عام 2013، وهو قيد قديم ظل مؤيدوه يعتبرونه رمزا مهما للفصل بين الدولة والدين.

وقال إردوغان الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك إن "تشريعا يستاء منه كثير من الشباب ويتسبب في معاناة شديدة لآبائهم، في حقبة ظلام، يقترب من نهايته".

التعليم الديني

أعاد إردوغان، الذي قال إن من بين أهدافه صنع جيل من الأتراك "الأتقياء"، الروح إلى مدارس الإمام الخطيب التي تمثل دروس التربية الدينية فيها ما بين ربع وثلث مناهجها الدراسية.

وجرى التوسع في تمويلها، مع بناء عشرات المدارس الجديدة وتخصيص مئات ملايين الدولارات لها، حسبما أظهر تحقيق أجرته رويترز.

كما تغيرت المناهج في المدارس العادية. وأعلنت الحكومة قبل ثلاث سنوات أن المدارس الثانوية ستتوقف عن تدريس نظرية داروين للنشوء والارتقاء والتطور، باعتبارها مثيرة للجدل وصعبة الفهم.

المساجد

بنت تركيا 13 ألف مسجد منذ تولي إردوغان السلطة، بحسب ما تظهر بيانات مديرية الشؤون الدينية، ليصل الإجمالي إلى 89259 في العام الماضي 2019.

ومن بين هذه المساجد جامع تشامليجا الأكبر في تركيا والذي تم افتتاحه رسميا في العام الماضي 2019 على غرار التصاميم الكلاسيكية للمهندس العثماني الشهير سنان. يطل المسجد على مضيق البوسفور من قمة تل على الجانب الآسيوي من اسطنبول.

وتٌوضع اللمسات الأخيرة على مسجد آخر كبير في ساحة تقسيم بوسط اسطنبول، فيما يضفي صبغة دينية أشد وضوحا على حي يقف فيه نصب تذكاري لأتاتورك.

 

 

الجيش

كان الجيش هو المعقل والحصن المدافع عن قيم أتاتورك العلمانية، وتدخل أربع مرات في أربعة عقود بدءاً من عام 1960 لإسقاط حكومات تركية. وفي تدخل عام 1997، الذي أطلق عليه "انقلاب ما بعد الحداثة"، ساعد الجيش في إرغام رئيس الوزراء الإسلامي في ذلك الوقت نجم الدين أربكان على التنحي.

وخلال حكم إردوغان، دخل مئات كبار ضباط الجيش أروقة المحاكم بتهمة محاولة الإطاحة بحكومته. وبعد أن نجا من محاولة انقلاب عسكري في عام 2016، جرت عملية تطهير شملت الإطاحة بالآلاف من الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى.

الكحول

لم يُخْفِ إردوغان، وهو المسلم المتدين، أنه لا يشرب الكحول في تناقض شديد الوضوح مع أتاتورك الذي كان يظهر في صوره الفوتوغرافية في غالب الأحيان وفي يده الكأس.

وفرضت حكومة إردوغان ضرائب عالية على المشروبات الكحولية، ووضعت قيودا في بعض المناطق على الشرب في الأماكن العامة، وضيقت الخناق على الإعلانات عنها.

السياسة الخارجية

سعى إردوغان إلى وضع بلاده، العضو في حلف شمال الأطلسي، في موضع القوة الإقليمية المناصرة لقضايا المسلمين السنة، وندد مرارا بإسرائيل بسبب معاملتها للفلسطينيين واحتلالها للضفة الغربية.

وأفضت التدخلات العسكرية التركية في الوقت الراهن في سوريا والعراق وليبيا إلى اتهامات من خصومه بأنه ينتهج سياسة "عثمانية جديدة" لإحياء نفوذ الإمبراطورية الإسلامية في الأراضي التي كانت تابعة لها في الشرق الأوسط.

وصور تغيير وضع آيا صوفيا على أنه إشارة على "عودة الحرية" للمسجد الأقصى في القدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل.

التغيرات الاجتماعية

قال إردوغان إن المساواة بين الجنسين شيء يتنافى مع الطبيعة، حيث أن الطبيعة "الحساسة" للمرأة تعني أن من المستحيل وضعها على قدم المساواة مع الرجل. وأضاف أنه يجب المساواة بين المرأة والرجل أمام القانون لكن يتعين الاعتراف بأن دورهما مختلف في المجتمع.

واتهمه معارضوه بالتدخل في الحياة الخاصة، من نصيحته للنساء بشأن عدد الأطفال الذين يجب إنجابهم، إلى الهجوم على عمليات الإجهاض والولادات القيصرية التي يعتبرها مؤامرات خفية لعرقلة نمو تركيا.

وتقمع السلطات على نحو متزايد مناسبات المثليين في تركيا، التي لا يجرم القانون فيها المثلية الجنسية رغم الرفض والعداء لها على نطاق واسع. وقال أحد كبار مساعدي إردوغان إن ما أسماها دعاية المثليين تشكل تهديدا خطيرا لحرية التعبير.

قصة عمرها 15 قرنا: آيا صوفيا - هويتان دينيتان ومصير متنازع عليه: وأقيمت صلاة الجمعة 24 / 07 / 2020 في مبنى وحَرَم آيا صوفيا باسطنبول للمرة الأولى منذ أن أعلن الرئيس التركي طيب إردوغان تحويل المبنى الأثري إلى مسجد مجددا.

وظلت آيا صوفيا كاتدرائية بيزنطية مسيحية لمدة 900 عام قبل أن يستولى عليها العثمانيون. وأقام المسلمون الصلاة هناك حتى عام 1934 عندما تم تحويل المبنى إلى متحف. وفي وقت سابق من هذا الشهر قضت محكمة تركية عليا بإلغاء هذا الوضع، مما مهد الطريق لإردوغان لإعادته لمسجد.

ويمتد تاريخ آيا صوفيا لقرابة 1500 عام. وللمبنى شأن كبير في الإمبراطوريتين البيزنطية والعثمانية. علاوة على ذلك فإن المبنى مدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

وفيما يلي حقائق أساسية حول تاريخ آيا صوفيا، والحملة لتغيير وضعه، وتصريحات رجال دين وزعماء سياسيين حول مصيره:

عقيدتان

اكتمل بناء آيا صوفيا التي تعني "الحكمة الإلهية" في اللغة اليونانية، سنة 537 في عهد الإمبراطور البيزنطي جستنيان.

يطل المبنى الضخم على ميناء القرن الذهبي ومدخل البوسفور امتدادا من قلب القسطنطينية. كان المبنى مركزا للأرثوذكسية وظل أكبر كنيسة في العالم على مدى قرون.

ظل المبنى تحت السيطرة البيزنطية، باستثناء فترة وجيزة في قبضة الصليبيين في القرن الثالث عشر، حتى فرضت قوات المسلمين بقيادة السلطان العثماني محمد الفاتح سيطرتها عليه وحولته إلى مسجد.

بنى العثمانيون أربع مآذن، وغطوا رموزا مسيحية وقطع فسيفساء مذهبة، ووضعوا لوحات ضخمة تتزين بأسماء الله الحسنى واسم النبي محمد والخلفاء الراشدين المسلمين بالأحرف العربية.

وفي عام 1934، أقام مصطفى كمال أتاتورك أول رئيس لتركيا جمهورية علمانية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية المهزومة، وحول آيا صوفيا إلى متحف، يزوره ملايين السياح كل عام.

"شُبهة تزوير توقيع أتاتورك والذي تم به تحويل آيا صوفيا إلى متحف"؟

وحثت جمعية تركية تسعى إلى إعادة آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى المحاكم التركية عدة مرات في السنوات الخمس عشرة الماضية على إلغاء مرسوم أتاتورك.

وفي الحملة الأخيرة، قالت أمام أعلى محكمة في تركيا إن حكومة أتاتورك ليس لها الحق في الخروج على رغبات السلطان محمد بل أشارت إلى أن توقيع الرئيس على الوثيقة مزور.

استندت هذه الحجة على وجود تباين بين توقيع أتاتورك على المرسوم، الذي صدر تقريبا في نفس التوقيت الذي أصبح فيه لقبه رسميا، وتوقيعاته على وثائق لاحقة.

ودعم إردوغان، الذي يدافع عن الإسلام والالتزام الديني على مدار حكمه المستمر منذ 17 عاما، حملة آيا صوفيا، قائلا إن المسلمين يجب أن يتمكنوا من الصلاة هناك مرة أخرى وأثار القضية، التي تمس وترا حساسا لدى كثير من الأتراك المتدينين الذين يصوتون لحزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المحلية في العام الماضي 2019.

وخلص استطلاع أجراء مركز استطلاعات الرأي التركي (متروبول) إلى أن 44 في المئة ممن شملهم يعتقدون أن آيا صوفيا وضع على جدول الأعمال لصرف انتباه الناخبين عن المشاكل الاقتصادية في تركيا.

 

 

ردود فعل

أثار احتمال التغيير القلق خارج تركيا. لكن أنقرة قالت إن ما يريده الأتراك هو المهم.

وقال البطريرك المسكوني بارثولوميو، وهو الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم إن تغيير وضع آيا صوفيا سيتسبب في شرخ بين الشرق والغرب.

وفي اليونان المجاورة، التي يشكل الأرثوذكس الغالبية العظمى من سكانها، قال رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس "هذا اختيار يسيء إلى جميع من يعتبرون الصرح موقعا للتراث العالمي".

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة أصيبت بخيبة أمل من القرار، لكنها تتطلع إلى الاستماع إلى خطط تركيا التي تضمن أن يظل المبنى مفتوحا للجميع.

وضم البابا فرنسيس الأحد صوته لمنتقدي قرار تركيا تحويل كاتدرائية آيا صوفيا السابقة في اسطنبول إلى مسجد، معربا عن "حزنه الشديد" لذلك.

واعتبرت الخارجية الروسية أن تحويل متحف مسجد وكاتدرائية آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد هو "شأن داخلي" لتركيا في تصريحات معتدلة بعد انتقادات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين "نعتبر أن الأمر يتعلق بشأن تركي داخلي وعلينا وعلى غيرنا عدم التدخل".

وتدارك "لكن لا يمكننا عدم لفت الانتباه لأهمية هذا المعلم لناحية ثقافة وحضارة العالم".

ورفض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الإدانات الدولية لقراره تحويل كاتدرائية آيا صوفيا السابقة في اسطنبول مسجدا، معتبرا أن ذلك من "الحقوق السيادية" لبلاده.

وقال إردوغان "الذين لا يحركون ساكنا في بلدانهم حيال معاداة الإسلام (...) ينتقدون رغبة تركيا في استخدام حقوقها السيادية".

وأضاف "اتخذنا هذا القرار ليس استنادا إلى ما سيقوله الآخرون بل في ضوء حقوقنا كما فعلنا في سوريا وليبيا وأي بلد آخر". رويترز ، أ ف ب 24 / 07 / 2020

 

 

[embed:render:embedded:node:40876]