"حوار الثقافات محرك التعاون بين ضفتي المتوسط"

يري أندريه أزولاي، رئيس مؤسسة "أنا ليند " الأوروبية المتوسطية لحوار الثقافات، أن قمة باريس التأسيسية لـ"الإتحاد من أجل المتوسط" وضعت في صدارة أجندة الاتحاد الاهتمام بالحوار بين الثقافات باعتباره محركا أساسيا لعلاقات شعوب ضفتي المتوسط. منصف السليمي حاور مستشار ملك المغرب حول الآمال المعقودة على الشراكة الأوروبية المتوسطية وماهية الشراكة الحقيقة بين أوروبا والعالم العربي.

أحتل ملف سلام الشرق الأوسط حيزا رئيسيا في مؤتمر تأسيس "الاتحاد من أجل المتوسط". هل هي محاولة لتفادي تكرار ما حدث مع مسار "عملية برشلونة"؟
أندريه أزولاي: اعتقد أن الاتحاد المتوسطي الجديد سيساعد على تدارك الفرص التي أهدرت لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واعتقد أيضا أن أوروبا تلعب في هذه العملية دورا هاما ومسئولا. إن اتحادا يجمع فلسطينيين وإسرائيليين وسوريين ومصريين، أي كل العرب وإسرائيل في كيان واحد، يمنح دون شك فرصة أخرى لسلام عادل ومقبول له شرعية لدى الجانبين العربي والإسرائيلي وأيضا الغربي.

الدور الأوروبي عانى من التهميش النسبي مقابل الدور الأميركي في الشرق الأوسط. هل إن إحياءه الآن أمر مؤقت في انتظار الانتخابات الأميركية أم أنه دور له مشروعيته الخاصة به؟

أزولاي: إن الفراغ الذي تتركه الانتخابات الأميركية معطى إضافي يؤكد ضرورة أن تتحرك أوروبا وتقدم مبادرات وتستعيد مكانتها على الساحة الدولية وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما أن مسار برشلونة تأسس انطلاقا من ديناميكية مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو.

مسار برشلونة أعطى أيضا في السابق لفترة مهمة آمالا بإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، كما أن مؤتمر برشلونة سبقه بفترة قصيرة مؤتمر القمة الاقتصادي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط، الذي عقد في أكتوبر 1994 بالدار البيضاء، والذي لم يكن فقط تتويجا لخطوات السلام التي قطعت بل أيضا تتويجا لكل الآمال. وبرأيي فان تلك القمة شكلت المرحلة الأكثر توافقا وانسجاما لكل المسارات التي أطلقت آنذاك من أجل إرساء السلام وفق قواعد الحق والمشروعية في هذه المنطقة.

إلى أي حد تهيمن المصالح الاقتصادية على أجندة العلاقات بين ضفتي المتوسط وعلى حساب مشاريع اتفاقيات الشراكة الشاملة التي تطمح إليها بلدان الجنوب؟

أزولاي: ينبغي أن نكون واضحين هنا. القمة التأسيسية للإتحاد من أجل المتوسط نوع من المراجعة لمسار الشراكة الأوروبية المتوسطية وفق آفاق جديدة، وهي تحمل إجابات جديدة لآمالنا. ما قامت به بلدان جنوب البحر المتوسط مع الاتحاد الأوروبي، لحد الآن كان مسار شراكة قائم على منطق اقتصادي وتجاري، وكان محكوما بالظرفيات والمعطيات المتحكمة فيها، فقد كانت في وقت ما تتطلب الاهتمام بالزراعة، أما الآن بالفعل يتعين أن نكف عن التعامل بالمنطق الريعي أو الاقتصاد المبني على مشاريع جاهزة، هذه مرحلة متجاوزة .

إن بلدان الجنوب ليست ضد تعاون اقتصادي وتجاري يقوم على تدفق الاستثمارات والمشاريع والاتفاقيات في قطاعات معينة سواء كانت بنيات تحتية أو زراعة أو طاقة. لكن ينبغي مراجعة أسس اتفاقيات الشراكة. من هذا المنطلق فان الاتحاد من أجل المتوسط يمكنه أن يقدم رؤية ومعنى جديد بل مشروعية لما يرغب طرفا المعادلة في المتوسط القيام به.

يتعين أن يستند تعاوننا الاقتصادي والتجاري على أبعاد مختلفة وفي أفق يتأسس على مفهوم القيمة المضافة المتقاسمة، وأن تكون مشروعية الشراكة قائمة على أساس ثقافة التشارك والعدالة في الاستفادة من المصالح إلى أبعد حد ممكن، و بالتالي إنهاء التعامل بمنطق التجاوز على الآخر.

يلقي موضوع الأمن بثقله في العلاقات المتوسطية، لكن هناك تضارب في النظرة لهذا الموضوع. ما هو برأيك المفهوم الملائم لمنطقة البحر الأبيض المتوسط؟

أزولاي: لقد تأسس الاتحاد من أجل المتوسط في باريس من منظور شامل ومنسجم لأنه تعبير عن مسيرة تتضافر فيها ديناميكية سياسية ويتدخل فيها العامل الاقتصادي بحقائقه ومعطياته، التي بنيت في سياق مسار برشلونة، وحيث الأمن والثقافة والمجتمع المدني والعلاقات البشرية والإنسانية كلها حاضرة ومتداخلة.

اعتقد انه لا يمكن تصور مشروع مثل الاتحاد من أجل المتوسط بالطموحات التي يحملها، أن لا يكون منطلقا من رؤية شاملة. انه مسار لا يمكنه أن يسير فقط معتمدا على مجال الاقتصاد أو السياسة وحدها أو الحوار بين الثقافات والديانات. إنه مسار يتعين أن يقوم على ثلاثة أعمدة هي السياسة والاقتصاد والثقافة.

لكن هناك مخاوف من هيمنة الهاجس الأمني على سواها من الأبعاد والأسس في بناء الشراكة الأوروبية المتوسطية؟

أزولاي: في الواقع لا يمكن اختزال مفهوم الأمن اليوم في إجراءات تقنية بحتة. الأمن ليس هو القوة والشرطة والجيوش، بل الأمن هو ما يدور في عقول الناس، وهو ما يجد أساسه ومشروعيته، لأن الناس يريدونه، وهو بالتالي حصيلة منطق شامل لتطور الاقتصاد وقواعد العملية السياسية. كما أنه مشروع يتبناه المجتمع المدني. لذلك أنا اعتقد أن الاتحاد من أجل المتوسط يمكنه أن يقربنا من هذه الرؤية.

ما هي مكانة ملف مكافحة التطرف والإرهاب في بناء الاتحاد من أجل المتوسط ؟

أزولاي: التطرف ليس مشكلة أمن ببساطة أو مسألة غياب عدالة اجتماعية واقتصادية، انه مشروع مجتمعي مضاد لمشروع آخر. وإذا تمكن المشروع المجتمعي الذي يحمله الاتحاد من أجل المتوسط من أن يفرض نفسه وان يجد المجال لتفعيله آلياته في الواقع، فسيكون مساهمة من شأنها تغيير المعطيات في الاتجاه الصحيح.

لا يبدو دور حوار الثقافات في إعلان باريس من أجل المتوسط واضحا. لكن منظمتكم من الأعضاء المؤسسين للإتحاد، ماذا تعتزمون فعله لسد هذا الفراغ؟

أزولاي: لا أوافق هذه القراءة بل أود التأكيد أن إعلان باريس ينص بوضوح وفي موقع مناسب على الدور، الذي ينبغي لمؤسسة "آنا ليند"، التي أتشرف برئاستها، أن تقوم به من أجل تفعيل الحوار بين الثقافات باعتباره مدخلا لا محيد عنه، ويتعين أن يكون مركزيا وأولوية في البناء الأوروبي المتوسطي .

إن الحوار بين الثقافات أصبح يتصدر الأجندة الأوروبية المتوسطية، فعلى غرار مسار برشلونة، فإن هذا المشروع الكبير أي الاتحاد من أجل المتوسط، لا يمكنه أن يبنى ويشيد ويجد استقراره ومشروعيته عند شعوبنا والرأي العام في بلداننا، إذا لم يكن في قلب أجندته رسم ملامح المستقبل، وذلك من خلال التفاعل والتشاور مع المجتمع المدني ومئات الملايين من النساء والرجال باعتبارهم المعنيين أولا، في الدول التسعة والثلاثين من بلدان الشراكة الأوروبية المتوسطية، لأننا نريد أن تلعب دورا أساسيا في هذا البناء.

إذن التشاور والحوار مع المجتمع المدني لا يمكن أن يمر إلا عبر الثقافة، باعتبارها الحقل الذي لا يمكن أن تعوضه الإيديولوجيات أو النظريات الاقتصادية والاجتماعية. كما أنه لا يمكننا أن نحلم بأي يكون لهذا الاتحاد دورا، إذا لم تعتمد هذا العمل الهام كسبيل لتحقيق التفاهم والحوار ومساهمة المجتمع المدني والرأي العام الشعبي، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الحوار بين الثقافات.

ما هو المضمون الذي يتعين أن يأخذه حوار الثقافات كي لا يظل شعارا مثاليا؟

أزولاي: إن الثقافة ليست مجرد لحظات ترف فكري أو نشوة عابرة متبادلة أمام حفل فني أو موسيقي أو ملتقى أدبي أو شعري يتغنى بالبحر الأبيض المتوسط، بل هي محرك ووسيلة مفضلة وناجعة لتحقيق تقاطع في الاهتمامات بين مغربي وفنلندي أو بين مصري وإسباني حتى يلتقيا حول مشاعر مشتركة ويتبادلون ما هو حميمي وعميق، ولكن أيضا ما هو أعمق وأقوى في نظرة كل واحد منهما إزاء الآخر، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الثقافة.

اعتقد انه من الضروري أن نبقى يقظين ومتحفزين للقيام بأقصى ما يمكن من أجل أن يتصدر الحوار بين ثقافاتنا وحضاراتنا وتوجهاتنا الروحية والدينية، أولوياتنا وأن نضع كل هذه القيم والجسور الثقافية من أجل ترسيخ الشراكة المتوسطية الأوروبية التي لا يمكنها أن تنمو إذا كان كل منا منعزلا في مكتبه.

المسألة تتلخص في جعل الشعوب تشارك في عملية بناء الشراكة وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا عبر الجسر الثقافي، وفي هذا الأفق ستبلور مؤسسة "آنا ليند" برنامجها الثقافي للسنوات الثلاثة المقبلة، وسأتشرف بتقديمه في سبتمبر / أيلول المقبل للمؤسسات الأوروبية المتوسطية.

كما سيكون منبثقا من هذه الرؤية ويهدف لسد الفجوة القائمة بين ثقافاتنا ودياناتنا وحضاراتنا المختلفة، ومن هذا المنظور سيقدم مسار الشراكة الأوروبية المتوسطية فضاء نموذجيا ورسالة للعالم. إن العالم بحاجة إلى مثل هذه الرسالة المتوسطية حيث يلتقي الجنوب والشمال من أجل استلهام طريق العمل والقطع نهائيا مع تلك الأطروحات الخرقاء القائمة على فكرة الصدام بين الحضارات أو الديانات.

أندريه أزولاي يعمل مستشارا لملك المغرب، وهو عضو لجنة الحكماء التابعة للأمم المتحدة والمكلفة بحوار الحضارات. كما أنه يعمل مديرا لمؤسسة "أنا ليند" الأوروبية المتوسطية لحوار الثقافات، التي تضم 37 دولة أوروبية ومتوسطية، وهي تحمل اسم داعية السلام والتسامح وزيرة الخارجية السويدية التي اغتيلت عام 2003.

أجرى الحوار: منصف السليمي
قنطرة 2008

قنطرة
اتحاد دول حوض البحر المتوسط:
الحلم الجديد بالدور الريادي القديم
اتفقت المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي على أن يحل "الاتحاد المتوسطي" محل التعاون القائم مع دول حوض البحر المتوسط المجاورة للاتحاد الأوروبي. رودولف شيمللي الخبير في شؤون الشرق الأوسط يوضح دلالات هذا الاتفاق في حوار مع عبد الرحمن عثمان.

حوار مع فولكر بيرتيس:
فرص تعاون جديدة لأوروبا والعالم العربي
ما هي الأهمية السياسية التي يتمتَّع بها الاتحاد من أجل المتوسط الذي تم تأسيسه في باريس بين الاتحاد الأوروبي وثمانية عشر بلدًا تقع على البحر المتوسط من أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط؟ خولة صالح حاورت فولكر بيرتيس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط ومدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية في برلين للوقوف على أجوبة لتلك التساؤلات.

الاتحاد من أجل المتوسط
فرنسا...مركز ثقل أوروبا الجديد؟
من الممكن لنيكولا ساركوزي أن يحقِّق بتأسيس الاتحاد من أجل المتوسط نجاحًا باعتباره وسيطًا للسلام في الشرق الأوسط. ولكن ما هو حجم قدرات هذا الاتحاد وما هي الأفكار الإستراتيجية الكامنة خلفه؟ بيرنارد شميد في قراءة تحليلية للاتحاد من أجل المتوسط.