لا ينبغي الإستخفاف بالإرهابيين!

عرضت المسرحية الغنائية "جهاد" للمرة الأولى في مهرجان ايدنبورغ. إنها مسرحية تسخر من الإرهاب الإسلامي، مما جعلها تواجه الكثير من الانتقادات. تقرير من إعداد رالف سوتشيك.

​​يمتلكون جسارةً عالية في كل الأحوال. أثارت "جهاد - المسرحية الغنائية" حتى قبل عرضها في مهرجان ايدنبورغ الاسكتلندي الكثير من الجدل. إذ أنَّ المسرحية الغنائية لمخرجها إيفان كابنيت من مدينة نيويورك تسخر من الإرهاب الإسلامي.

والمسرحية تروي قصة شخصية الفلاح الأفغاني "سعيد البوم" التي يقوم بتمثيلها الفنان الهندي "سوراب واديا". يقع سعيد ضحية إغراءات المرأة الفاتنة والمُحَجَّبة "ميتو خيلانا" التي تصدِّر الخشخاش ظاهرًا. لكنها في واقع الأمر إرهابيةً، وبلمح البصر يغدو سعيد عضوًا في عصابةٍ من مقاتلي الحرب المقدسة.

وسائط الإعلام المتعطشة للدماء

إنَّها ايميلي ماك نامارا، الصحفيةٌ المريبةٌ التي تشتَمُ رائحة قصةٍ مثيرةٍ، وتحت تأثيرها يصبح سعيد في النهاية لعبةً في مهب الإرهابيين ووسائط الإعلام المتعطشة للدماء. لكنَّ خلاصَه يقترب في شخص أخته "شذيّة" دانييلا ربّاني وفي شخصٍ فرنسي يميل للاستسلام هو جوناثان وينر.

تتمثل ذروة المسرحية الغنائية في أغنية سعيد: “I want to be like Osama” "أريد أنْ أكون مثل أسامة". وعلى أية حال، ليست المنظمات الإسلامية من احتجَّ على المسرحية الغنائية حتى الآن، بل بريطانيون غاضبون يسعون لإعاقة وإيقاف العرض.

إنهم يرون أنه لا يمكن عرض شيء كهذا على منصة المسرح، لا سيما بعد مُضيّ وقتٍ قصيرٍ على إحباط اعتداءات التفجير في لندن وجلاسكو كما جاء في عريضتهم المرفوعة إلى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون. وورد في العريضة أيضًا أنَّ علي الوزير المذكور أنْ يتفضل ويمنع "العرض للإرهاب وضحاياه، الخالي من الذوق". كما جاء فيها: "إنَّ التصور بأنَّ شخصًا ما يقوم بالاستخفاف بالإرهاب الإسلامي هو إهانة بالغة للضحايا بالدرجة الأولى."

إلا أنَّ شركة الإنتاج الأميركية Silk Circle Productions ترى الأمر بشكلٍ مختلفٍ. ويقول المنتج جيمس لولر بهذا الصدد: "لا نقصد إهانة أو ازدراء أيّ كان من خلال هذا العرض". ويضيف: "إنَّها مسرحية موسيقية فكاهية، تتماشى مع تقاليد المسرح الموسيقي البريطاني المتّقدة والصاخبة".

"المسرحية تروي قصة فلاحٍ أفغاني يزرع الخشخاش ويقع في حب امرأةٍ غير مناسبة ويصبح من ثم عرضةً لظروفٍ قاهرة. وكأية مسرحيةٍ كوميديةٍ جيدةٍ تلامس مسرحيتنا الغنائية أحداثًا راهنةً، وتربطها بالدعابة، لتعرض بذلك كيف يمكن للمرء أنَّ يتعامل على النحو الأفضل في ظل حالةٍ صعبةٍ" كما يقول لولر مضيفًا أنَّ العريضة "عدوانيةٌ ولا داعي لوجودها".

الذائقة الفكاهية البريطانية في مواجهة الشدائد

ويتابع لولر قوله بأنَّه: "من الواضح أنَّ أولئك الذين يطالبون بمنع عرض المسرحية يمتلكون تصوّرًا خاطئًا عنها، لأنهم لم يروها. وكيف لهم ذلك؟ فالمسرحية عُرضت للمرة الأولى على الإطلاق قبل فترة وجيزة في ايدنبورغ. ويضيف "لقد عاملنا الديانات والثقافات التي وردت في المسرحية الغنائية بفائق الاحترام". "وتوصلنا إلى ذلك من خلال سيناريو بارع ومرهف جدًا".

كتبت القطعة زوي صاموئيل ابنة الخامسة والعشرين بالاشتراك مع بن شوير خريج جامعة هارفارد، الذي قام بالتأليف الموسيقي أيضًا. وتعتقد "زوي صاموئيل" أن المسرحية الغنائية تتلاءم مع "الذائقة الفكاهية البريطانية في مواجهة الشدائد".

وتقول كاتبة السيناريو: "نريد إطلاق الروح التي سادت أثناء الحرب العالمية الثانية في الفترة التي وقع القصف فيها على لندن. ونحن نسخر من أولئك الذين يريدون إرهابنا". إذ لا بد للمرء في وسط هذه التهديدات الأمنية من أنْ يحافظ على المعنويات العالية.

أما ماهية الديانات التي يعتنقها ممثلو المسرحية، فلا تعرفها "زوي صاموئيل"، لأنَّ قانون العمل الأمريكي يحظر الاستفسار من العاملين عن الديانات التي يعتنقونها. وتقول بهذا الصدد: "إنَّ الفرقة متنوعة". لقد وصل الممثلون قبل فترة قصيرة من نيويورك ووجدوا أنفسهم مباشرة وسط هذا الجدال الحاد.

لكنْ لا يمكننا أنْ نتصور، نظرًا لموضوع المسرحية الغنائية، أنهم كانوا متفاجئين تمامًا. إلا أنَّ "زوي صاموئيل"، التي ترعرعت في مدينة لندن وعملت في كل من لوس انجلوس ونيويورك، أشارت إلى أنَّ الكثيرين من الذين وقّعوا العريضة لم يروا إلا مقطع الفيديو لأغنية بن لادن على موقع اليوتيوب (YouTube) في الانترنت.

رواج الكوميديا ضد التطرف الإسلامي

​​يزداد في الآونة الأخيرة عدد فناني المونولوج والممثلين المسرحيين الكوميديين الذين يشتغلون على موضوع التطرف الإسلامي في بريطانيا. وكلما زاد تهديد الحكومة في لندن عبر إطلاقها قوانين ضد إثارة مشاعر الكراهية الدينية، كلما ارتفع عدد الإنتاجات التي تسخر من الإرهاب ومن الهجمات الانتحارية وكلما ازداد رواجها.

ثمة فيلمان يلقيان إقبالاً واسعًا على موقع يوتيوب. الأول يحمل عنوان „Jihad Jane’s Suicide Song“ "أغنية جين الجهادية الانتحارية"، حيث تندب امرأة محجّبة قدرها، أثناء قيامها بمسح الأرض، وفي النهاية تقتل نفسها، والفيلم الثاني بعنوان „Angry Muslim Man“ "الرجل المسلم الغاضب" ذو الطاقيّة الإسلامية البيضاء وصاحب الصوت الذي يتصنَّع الرخامة. ويكمن سبب هذه الطفرة في بريطانيا في هجرة الكثير من الفنانين الكوميديين من الهند وباكستان والشرق الأوسط ممن يملكون جرأةً أكبر على تقديم عروضٍ كهذه، إذ لا يمكن اتهامهم بالعنصرية.

كانت شازيا ميرزا الهندية الأصل رائدةَ في هذا المجال، حيث تركت بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر مهنة الطب وصعدت إلى خشبة المسرح في بريطانيا. وبدأت عرضها بالكلمات التالية: "مرحبًا بكم، اسمي شازيا ميرزا. أو لنقل هذا هو المكتوب على رخصتي لقيادة الطائرات".

المسلمون أعجبوا بالسيناريو

وتقول "زوي صاموئيل" أنَّ كل المسلمين الذين عرضت عليهم السيناريو أعجبوا به. وثمة كوميديون مسلمون يودون استقطاب المسرحية الغنائية إلى منصات مسارح نيويورك. لكن سيجري عرضها أولا في مهرجان ايدنبورغ ابتداءً من الأحد القادم وعلى مدى ثلاثة أسابيع.

إنه المهرجان الأكبر من نوعه في العالم. وحتى آخر آب/أغسطس سيتم تقديم 2050 إنتاج مختلف، وسيكون هناك 31 ألف عرض. كما يتوقع منظمو المهرجان حضور مليون ونصف زائر.

"جهاد - المسرحية الغنائية" هي واحدة من عدد وافر من المسرحيات الغنائية في ايدنبورغ. هذا النوع الفني يلاقي في الوقت الحاضر انتعاشًا مدهشًا. وهناك إنتاجان يتناولان شخص رئيس الوزراء السابق توني بلير. هما "توني!- مسرحية بلير الغنائية" و "توني بلير: المسرحية الغنائية".

إلى جانب ذلك هناك "أسبو: المسرحية الغنائية" حول توجيهات السلوك اللا اجتماعي المثيرة للجدل و"رعشة الجماع: المسرحية الغنائية".

رالف سوتشيك

ترجمة يوسف حجازي

حقوق الطبع قنطرة/تاغستسايتونغ 2007