" ما يحدث في مصر أكبر من حلم المثقفين"

كان صوت الكتاب والفنانون المصريون خافتاً في أيام الغضب التي تشهدها مصر– فهل يعني هذا أنهم بعيدون عن أحداث هذه الثورة الشعبية؟ سمير جريس استطلع رأي عدد من الكتاب والفنانين، ومنهم إبراهيم أصلان ومحمد عبلة وجرجس شكري.

الكاتبة المصرية نوال السعداوي في ميدان التحرير
"مصر ستستنشق هواء نظيفاً بعد رحيل مبارك"

​​ كثيراً ما عاب المثقفون على الشعب المصري السلبية واللامبالاة وانعدام الوعي السياسي. الشعب المصري مستكين – هكذا كانوا يقولون – قانع، من السهل قيادته؛ شعب انصاع لحكم الفراعنة عبر قرون، بل عبر آلاف السنين. "الشعب المصري لا يثور": مقولة كانت تتردد كثيراً، ويبررها التاريخ المصري الذي لا يكاد يعرف الثورة الشعبية طوال تاريخه، وهذا ما دفع الكاتب المعارض علاء الأسواني إلى التساؤل في أحد كتبه: "لماذا لا يثور المصريون؟"

غير أن هذا الشعب المستكين القانع بحاله ثارَ ولم يعد يرضى بالأمر الواقع. إنها "عودة الروح" إلى الشعب المصري، مثلما علق كثيرون مستلهمين عنوان إحدى روايات توفيق الحكيم، أو ربما "عودة الوعي" إليه بعد عقود من الاستكانة واللامبالاة. منذ الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) وشباب الفيسبوك يخرجون للتظاهر في "يوم الغضب" الذي تحول إلى ثورة شعبية حقيقية؛ ثورة انضمت إليها طوائف عديدة من الشعب المصري، رجال ونساء، مسلمون وأقباط، شبان ومسنون، من كافة الطبقات الاجتماعية وعلى اختلاف المستويات الثقافية. كلهم يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام" و"الشعب يريد محاكمة الرئيس" و"ثورة ثورة حتى النصر، ثورة في كل شوارع مصر".

بطاقة تعريف جديدة للوطن

ولكن أين المثقفون وسط كل هؤلاء الجموع؟ هل غابوا عن الساحة؟ "كلا"، يقول الروائي الكبير إبراهيم أصلان، "المثقفون موجودون بطبيعة الحال، وعلى اتصال دائم بالشارع، ولكن لا أظن أن وجودهم واضحاً في ظل هذا الطوفان البشري". ويذكر أصلان في حديثه إلى دويتشه فيله أنه يذهب إلى ميدان التحرير ويشارك في المظاهرات. ويصف صاحب "عصافير النيل" ما يحدث بأنه "كان أكبر من حلم المثقفين وغير المثقفين في مصر". ويضيف أصلان: "كنا نعيب على هذا الجيل أنه مشغول بالعلاقات التي يتيحها الفيسبوك وخلافه، ثم اتضح أنه جيل مشغول بهموم بلده طوال الوقت، واستطاع أن يقدم للعالم بطاقة تعريف جديدة لهذا الوطن."

الصورة دويتشه فيله

​​ أما الروائي عزت القمحاوي – الذي تحدثت معه دويتشه فيله من قلب ميدان التحرير – فيقول إن المثقف في مصر نوعان: " مثقفو السلطة والمثقفون المستقلون، والنوع الثاني من المثقفين متواجد يومياً في ميدان التحرير في قلب المظاهرات". الشاعر جرجس شكري يرفض أيضاً الرأي الذي يقول بأن المثقفين كانوا بعيدين عن الانتفاضة الشبابية: "لا، عدد كبير جدا من المثقفين ما زالوا موجودين مع المتظاهرين في ميدان التحرير وفي أماكن أخرى". أما الفنان التشكيلي والناشط السياسي محمد عبلة فيقول: "نحن وراء الانتفاضة منذ فترة طويلة. نحن نحضر لما يحدث منذ عامين، نحن موجودون ولكن بأشكال فردية، لأن الوضع في مصر لا يتيح تجمعات كبيرة".

الشاعر الشاب محمد خير ينفي ابتعاد المثقف عن ساحة الاحتجاجات، ويشير إلى أنه شارك منذ اليوم الأول وتعرض مرتين إلى الاعتقال، "ولكني لست حالة خاصة، فهناك كثيرون تعرضوا إلى الاعتقال". كما أن هناك من المثقفين من دفعوا ضريبة الدم، مثل الفنان التشكيلي أحمد بسيوني الذي راح ضحية إطلاق الرصاص الحي في قلب القاهرة يوم الثامن والعشرين من يناير (كانون الثاني). ويشير خير على وجه خاص إلى دار ميريت للنشر التي تشارك بدور حيوي في دعم المتظاهرين، فهي تقع في شارع قصر النيل بالقرب من الميدان، وهي أحد المراكز التي تقدم الدعم للمتظاهرين وتوفير الأغذية والأغطية لهم.

المثقف المصري في حظيرة النظام

الصورة أ.ب
ما زال ميدان التحرير يغص بالمحتجين بعد مرور إسبوعين على "يوم الغضب"

​​

رغم ذلك يتحدث البعض عن خفوت صوت عدد من المثقفين المصريين، ويرجعون ذلك إلى ما يسمى بـ"تدجين المثقف" في عهد مبارك ووزير ثقافته فاروق حسني. ولعل تعيين جابر عصفور – الذي اشتهر بأنه مثقف التنوير والمدافع عن قيم الدولة المدنية – وزيراً للثقافة في وزارة تفتقد إلى الشرعية يمثل رمزاً لدخول بعض المثقفين إلى "حظيرة النظام" حسب كلمات الوزير السابق فاروق حسني.

عن ذلك يقول عزت القمحاوي: "نظام مبارك من أخطر الأنظمة الديكتاتورية الذي يوصف بالديكتاتورية الرخوة. هذا النوع يقدم كافة أنواع الرشاوى ليس فقط للمثقفين، بل لكافة المصريين. هذه الرشاوى أفسدت أيضاً المعارضة الرسمية". ويقر الروائي إبراهيم أصلان بأن السلطة نجحت في تدجين عدد من المثقفين طوال السنة الماضية، غير أن معظمهم كان من أنصاف الموهوبين، "ليس بينهم كاتب يحزن المرء عليه". وعن "الصديق جابر عصفور" الذي كان "يحلم طيلة حياته بأن يصبح وزيراً" يقول صاحب "خلوة الغلبان" أن عصفور "عمل طوال السنوات الماضية على تزيين وجه السلطة وجعله مقبولاً عربياً على المستوى الثقافي".

"هذا حقيقي"، يقول جرجس شكري، "هناك عدد كبير أصبح يخدم النظام. وهذا شيء ضد فكرة المثقف، لأن المثقف على يسار المجتمع كله، وليس فقط على يسار السلطة. لقد أصبح المثقف جزءا من السلطة." أما الشاعر محمد خير فيرى أن "في مقابل جابر عصفور هناك عديد من الكتاب والفنانين الذين يشاركون في مظاهرات ميدان التحرير". ويذكر خير أنه من ضمن المشاركين في الاحتجاجات في قلب القاهرة المخرج داوود عبد السيد والروائي إبراهيم عبد المجيد والشاعر سيد حجاب والموسيقار عمار الشريعي الذي "أُصيب بأزمة قلبية ونُقل إلى المستشفى على إثرها". وماذا بعد "عودة الروح" إلى شعب مصر؟ لقد أجمع كل من تحدثت دويتشه فيله معه على أن مصر بعد الـ 25 يناير لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل. "مصر ستشم هواء نظيفاً بعد رحيل مبارك"، يقول عزت القمحاوي، "أنا متفائل بشباب مصر". أما إبراهيم أصلان فيقول: "حتى لو لم تتحقق مطالب وأحلام الناس كاملة، فأظن أن الكثير تحقق حتى الآن. لقد انهار حائط الخوف مرة واحدة وإلى الأبد".

سمير جريس
مراجعة: يوسف بوفيجلين
دويتشه فيله 2011

قنطرة

الانتفاضة الشعبية في مصر
ربيع الشعوب العربية وزمن أفول الديكتاتورية
بعد أحداث تونس لم يكن هناك مراقب واحد لم يقل إن تكرار تلك الأحداث غير ممكن في مصر على الرغم من أن كل من عرف مصر وسكانها ولو بشكل سطحي يدرك أن الوقت قد حان الآن وكيف أصبح الوضع متأزماً وكيف صار الديكتاتور ممقوتاً. شتيفان فايدنر يتعرض إلى تغطية الإعلام الألماني لحركة الاحتجاجات في مصر وسيناريوهاتها المستقبلية.

الاحتجاجات الشعبية في مصر
يوم الغضب.....نقلة نوعية في المشهد الاحتجاجي المصري
يتحدث الأكاديمي والإعلامي المصري المعروف عمرو حمزاوي في هذه المقالة عن خمس مزايا يتسم بها يوم الغضب المصري، موضحا دلالات هذا الغضب ومضامينه

التغيير الديموقراطي في العالم العربي
الحكام العرب ولعنة "أحجار الدومينو"
أظهرت الأحداث المتسارعة التي انطلقت شرارتها من تونس وسرعان ما انتقلت إلى مصر أن الأنظمة العربية المترهلة ليست أكثر من "أحجار دومينو" تنتظر من يحركها لتسقط الواحدة تلو الأخرى لافتقارها إلى شرعية شعبية ضاربة في تربة شعوبها، كما يرى الإعلامي عماد غانم.