نهاية اللعبة السياسية

تخلى أخيرًا برويز مشرف عن رئاسة باكستان بإذعانه للضغوطات السياسية الداخلية، لاسيما في ضوء الإجراءات التي بدأها البرلمان منذ أسبوعين لعزله من منصبه. استقالة مشرف تعيد الحياة من جديد للمشهد الديمقراطي في باكستان وتضع حدا لسياساته التي تميزت بالمراوغة تارة وبالاحتواء تارة أخرى. تعليق من توماس بيرتلاين.

الرئيس الباكستاني المستقيل، برويز مشرف، الصورة: د.ب.ا
استقالة مشرف: نهاية أزمة أم بدايتها؟

​​أدرك برويز مشرف الآن - وفي وقت متأخر جدًا - أنَّ اللعبة قد انتهت. ففي النهاية لم يعد لا نواب حزبه ولا الجيش الذي ترأس أركانه لأكثر من عقد من الزمن ولا الحلفاء القدماء في واشنطن الممثَّلين بجورج دبليو بوش وديك تشيني، على استعداد لدعمه. ناهيك عن أنَّّ استطلاعات آراء المواطنين الباكستانيين أظهرت أنَّ أكثر من ثمانين في المائة من المواطنين يطالبون باستقالته.

واستطاع برويز مشترف طيلة ما يقارب من عشرة أعوام اتِّباع تكتيك سياسي ناجح، مكنه من إدارة المعركة السياسية على السلطة بشكل جيد. وكان أروع ما أجاد فعله عرض نفسه بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر على الغرب بصفته حليفًا لا غنى عنه في "الحرب على الإرهاب".

نجاح مشرف وفشله

ولكن مشرف بقي يحظى لوقت طويل بشعبية واسعة أيضًا في باكستان، حيث رحَّب الكثيرون بانقلابه العسكري، ليس فقط لدى الأوساط الليبرالية والطبقتين الوسطى والعليا التي كانت تحتفي به باعتباره مصلحًا معتدلاً - شخصًا كان يُزعم أنَّه كان يوقف الإسلامويين المتطرِّفين عند حدِّهم. وبطبيعة الحال كان العسكريون ذوو النفوذ الواسع يجنون في ظلِّ حكم هذا الجنرال الذي استمر فترة طويلة الأمد أرباحًا مالية بصورة خاصة.

أحد المواطنين الباكستانيين يتابع خطاب استقالة مشرف، الصورة: أ.ب
برويز مشرف- إعلاميًا حاضر في كلِّ مكان وسياسيًا معزول بشكل متزايد

​​بيد أنَّ لعبته السياسية بدأت تنتهي منذ شهر آذار/مارس 2007 وانهارت مثل برج مبني من ورق. إذ كان يتَّضح باستمرار وبصورة متزايدة أنَّ برويز مشرف يمتلك برنامجًا سياسيًا - وهذا البرنامج اسمه "برويز مشرف". دخل الرئيس برويز مشرف في معركة مع قاضي القضاة افتخار شودري الذي استقلّ عنه وكان يصر على المطالبة بالعمل بمبادئ دولة القانون. ولم يتضامن القضاة والمحامون وحدهم مع افتخار شودري، بل تضامن معه كلّ من وسائل الإعلام وممثلو المجتمع المدني والأحزاب السياسية ومئات الآلاف من المواطنين. وأجبروا مشرف في الخريف الماضي على الاستقالة من رئاسة أركان الجيش وعلى إجراء انتخابات حرّة في شهر شباط/فبراير.

انتصار الديمقراطية

وفي آخر المطاف شكَّل كلّ هذا حركة لصالح الديمقراطية؛ حركة تمنح استقالة مشرف بعدها التأريخي، إذ إنَّ الأحزاب الديموقراطية في باكستان كسبت صراعًا مثيرًا دار على السلطة. ويعتبر الدستور الباكستاني متناقضًا، وذلك بالنظر إلى أنَّه يمنح البرلمان من ناحية إمكانية إسقاط الرئيس من خلال اتِّخاذ إجراءات لعزله من منصبه، ولكن من ناحية أخرى يمكِّن الدستور الرئيس كذلك من حلِّ البرلمان. غير أنَّ هذا أيضًا لم ينفع مشرف الذي بلغت عزلته إلى هذا الحدّ.

إنَّ الصراع على السلطة لم يكن فقط صراع الديموقراطيين مع مشرف؛ كما أنَّ كون الرئيس مشرف كان قويًا إلى ذلك الحدّ، فهذا ما يعود إلى دور الجيش. وهكذا من الممكن أن تعمل استقالة مشرف أيضًا على تقوية المؤسسات الحكومية المدنية في باكستان مقابل القوات العسكرية.

ولكن ماذا سيبقى من مشرف؟ على الأرجح أنَّ نتيجة الازدهار الذي شهدته فترة حكمه سوف تظهر في آخر المطاف بصورة إيجابية أكثر مما تبدو عليه الآن. فمشرف أتاح المجال - حتى وإن كان ذلك أحيانًا على الرغم من إرادته - لعملية انفتاح فريدة من نوعها، خاصة ضمن قطاع الإعلام الإلكتروني.

كما أنَّ المجتمع الباكستاني تطوّر من خلال الازدهار الاقتصادي المستدام. وأصبحت القوى المعتدلة في باكستان أقوى بكثير في يومنا هذا عما كانت عليه وقت انقلاب مشرف في العام 1999. وكذلك شارك مشرف مشاركة حاسمة في عملية السلام مع البلد المجاور الهند، حيث يعتبر مشرف أكثر شعبية مما هو عليه في بلده.

سياسة استبدادية ومتناقضة

مظاهرة خرج فيها معارضو برويز مشرف يوم الأحد الماضي في مدينة بيشاور، الصورة : أ.ب
سياسة المراوغة والاحتواء لم تنقذ منصب مشرف

​​ولكن في المقابل تعدّ السياسة التي انتهجها مشرف سياسة استبدادية وكثيرًا ما كانت متناقضة خاصة فيما يعرف باسم "الحرب على الإرهاب". وفي عهد مشرف عملت أجهزة المخابرات على "إخفاء" مئات من الباكستانيين.

وأحيانًا كان سلاح الجو يقصف معاقل موهومة خاصة بالمسلَّحين، الأمر الذي لم يكن يدع مجالاً للشك في أنَّ أجهزة المخابرات كانت تقوم مرارًا وتكرارًا بدعم التطرّف إذا كان ذلك يصب في مصلحتها ضمن الصراع الدائر على السلطة.

وهذه السياسة أثبتت عدم نجاعتها وأنَّ أثرها سلبي بالنسبة للتعامل مع الإيديولوجيات المتطرِّفة والمتمرِّدين المسلحين مثل الطالبان، إذ جعلت من الإسلامويين شهداء في عيون الكثيرين وتركت لدى معظم الباكستانيين انطباعًا بأنَّ الحرب ضدّ الطالبان لا يتم خوضها إلاَّ بأمر من واشنطن.

تعتبر الديموقراطية الحقيقية المخرج الوحيد. ولا بدّ من تعزيز دور البرلمان والقضاء الحرّ بصورة فعّالة، من أجل مواجهة القوى الداخلية والخارجية التي اعتادت في باكستان على مسك زمام الأمور من خلف الكواليس. والآن يواجه ورثة برويز مشرف السياسون مسؤولية كبيرة.

توماس بيرتلاين
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

توماس بيرتلاين، خبير في الشؤون الباكستانية ودول جنوب شرق آسيا
قنطرة

ضغوط على الرئيس الباكستاني مشرف:
ضائع بين كل الجبهات!
يتعرض الرئيس الباكستاني مشرف الآن الى ضغوط من جميع الجهات بعد العملية الدموية التي قادها ضد متطرفي المسجد الأحمر. الإسلاميون يعتبرونه عميلا أميركيا والليبراليون يرونه دكتاتورا لا تهمه سوى السلطة. تعليق كتبه توماس بيرتلاين

سيناريوهات النزاع الباكستاني:
إذا ما تفتتت باكستان . . .
يحلل هيرفريد مونكلر الباحث في علم السياسة تواصل الأزمة السياسية في باكستان ويطرح السؤال التالي: ماذا سيحدث فيما لو تعرضت باكستان كدولة وكوحدة إقليمية إلى التجزئة وانقسمت إلى دويلات متعددة علما بأن الحكومة المركزية اليوم عاجزة عن السيطرة التامة على كامل أرجاء البلاد؟

إداناة دولية لاغتيال بوتو
"يوم أسود للديمقراطية"
يسود إجماع دولي وإقليمي حول اغتيال "الارهاب الاسود" لرئيسة الوزراء الباكستانية السابقة وزعيمة حزب الشعب المعارض بنظير بوتو يوم الخميس الماضي، وسط تأجيج المخاوف من زعزعة استقرار باكستان وتداعيات ذلك على ترسانتها النووية.