صرخة موسيقية من أجل التغيير

الموسيقيون المغاربة الشباب بعيدون عن الأدلجة السياسية وليس لديهم أية مشكلة في مزج الموسيقة الغربية الحديثة كالهارد روك والهيب الهوب مع كل أشكال الموسيقة المحلية الشعبية. تقرير كتبته ليلى الزبيدي

الفرقة الموسيقية هوبا هوبا سبيريت, الصورة:www.hobahobaspirit.com
الفرقة الموسيقية هوبا هوبا سبيريت

​​

بدأت فكرة المهرجان أصلاً من مجموعة صغيرة كانت تحلم بإقامة مشهد موسيقي بديل في المغرب ومن ثم تطور الحدث ليصبح أهم مسرح للفرق المحلية لعرض موسيقاها. وقد ساعدت الشعبية التي اكتسبتها هذه التظاهرة الموسيقية على تمهيد الطريق لعدد كبير من الفرق لتحقيق شهرة واسعة مثل "درغا" و"هوبا هوبا سبيريت" و"ها- كايني" و"باري" و"توتال اكليبس" و"أبراز" و"فناير" و"هاوسا".

ليس لدى الموسيقيين الشباب المغاربة أية مشكلة في مزج كل أشكال الموسيقى مع الموسيقى المحلية الشعبية مثل "الشعبي" و"الغناوى" التي نشرها المتحدرون من عبيد سابقين من شبه الصحراء الافريقية.

النسخ الحر والمزج الحضاري

وهنا لا يجد الجدل الدائر الشائع حول "الغربنة" الذي يهيمن على شتى الخطابات في العالم العربي أي مكان له. يسأل أمين همّا الذي كان الأساس في اقامة هذا المشهد عن "نوعية الاسم الذي سيطلقه على أنواع الموسيقى الجديدة تلك، حديثة؟ بديلة؟ معاصرة؟ مضخمة؟ غربية؟". البعض يسميها الموسيقى المغربة، والبعض الآخر يسميها "راي هوب" أو "ميتال غناوى" أو "شعبي الكتروني".

يرى أمين هما ان هذه الموسيقى بعيدا عن النزاهة السياسية قامت على النسخ الحر والمزج الحضاري، ولكنه يضيف ان سبب صعوبة فهمها متأت من أنها تُصنف بكل بساطة كموسيقى تخص "الشباب المهمشين" الذين يتحدون بها عالم البالغين.

عدم القدرة على فهم الشباب المغربي وطريقته في التعبير كان السبب في عام 2003 في اتهام أربعة عشر موسيقيا ومشجعا لموسيقى "الهافي ميتال" بأنهم من "عبدة الشيطان"، حيث صدر عليهم حكم بالسجن لمدة سنة بتهمة "تقويض الاسلام والأخلاق الحسنة". ولكن نشطاء المجتمع المدني المغربي تظاهروا ضد هذا الحكم وتدفقوا الى الشوارع للتعبير عن تضامنهم.

أما اليوم كما يرى المشجع الموسيقي أمين شريف (19 عاماً) فان حفلات الهافي ميتال تُقام كل أسبوع تقريبا. ويضيف انه في عام 2005 قدمت الفرقة الألمانية "كريتور" أغاني من ألبومها "عدو الله " . مثل هذا الحدث لم يقع في أي بلد اسلامي من قبل".

علاقة هشة بالموسيقى العربية

لماذا تروق موسيقى الهافي ميتال للعديد من الشباب المغربي؟. يؤكد أمين ان الموسيقى بحد ذاتها هي العامل الأهم، أكثر من كونها رغبة على الثورة ضد المجتمع أو التميز عن الآخر. ويتابع ان جيل الشباب لم يشعر أبداً بصلة حميمية مع محطات الموسيقى التابعة للتلفزيون والاذاعة الوطنية التي تبث الموسيقى المصرية أو النغمات الأندلسية:

"كانت بمثابة دكتاتورية من قبل الكبار الذين يفرضون علينا ما يجب علينا سماعه. ولكن في العقدين الأخيرين مع تطور الاعلام أصبح من السهل الوصول الى الموسيقى العالمية وتمكن الشباب من اختيار ما يريدون".

يُغني الكثير من الفرق المغربية الجديدة باللغة المغربية "الدارجة" ويمزجونها بالفرنسية والانكليزية. ويقول رضا علالي من فرقة هوبا هوبا سبيريت من الدار البيضاء: "نريد بالدرجة الأولى الوصول الى ملايين الناس هنا قبل الوصول الى العالم العربي. ما زال البعض ممن لا يعرفون العربية يشعر بالنقص ونحن نهدف الى تخليصهم من هذه العقدة. في النهاية المسألة مسألة هوية".

ونظرا لأن المغرب متأثر جداً بالاعلام الشرق أوسطي فإن التحول في الاتجاه الآخر لم يتم بالفعل. اضافة الى ذلك فان الطريقة الذي يعرض بها الشرق الأوسط نتاجه الثقافي لا تشجع على اقامة علاقة سلسة معه. وتغني فرقة "هوبا هوبا سبيريت" في أغنية بعنوان "التلفزيون": "شاهدت في التلفزيون أناساً يحدثونني عن العرب وماضيهم المجيد، ولكنني للأسف أعيش في الزمن الحاضر ومن الصعب ألا أجده مشرقاً".

كليشيهات موسيقية

يعتقد أمين شريف ان التحول في الذوق الموسيقي يعكس الصدع في الصورة القومية العربية. ويلاحظ انه بالرغم انه ما زال هناك عدد لا بأس به من الشباب من محبي الموسيقى الرومانسية الشرق أوسطية والفيديو كليب، إلا ان العديد لا يشعر بأية ألفة معها أبداً.

ويضيف أنه "يتم الترويج للموسيقى العربية على أنها موسيقى اخواننا وموسيقى الحلم بأمة عربية عظيمة. ولكن عندما تتم مقارنتها مع الموسيقى الغربية فإن الكثير من المغاربة يجدون الموسيقى العربية قديمة، مليئة بالكليشيهات وفقيرة موسيقياً. آخرون لا يشعرون بأنهم عرب. الغالبية هم مزيج من أصول عربية وبربرية وأفريقية. لذا فانهم يتبنون طريقة الحياة الغربية بسهولة أكبر ومعها الذوق الموسيقي الغربي أيضاً".

بغض النظر عن بعض الحالات العرضية من الرقابة العلنية كما حصل في عام 2003 فإن الموسيقيين يعانون من التهميش لأن عالم صناعة الموسيقى ليس مستعداً لركوب الأخطار. وبالإضافة الى المهرجانات فإن الانترنت يلعب دوراً مهماً في ترويج المواهب المغربية.

تُفهم موسيقى الروك والميتال على انها غريبة وسط التقاليد الثقافية السائدة. يقول الموسيقي رضا زيني: "نحن ضحية موجة عداء ضد الغرب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. علينا الآن التركيز على دعم وتشجيع الشباب فيما يحسنون عمله على أحسن وجه: عزف الموسيقى والصرخة نحو التغيير".

بقلم ليلى الزبيدي
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

ثورة على الصمت
الهيب هوب باعتباره ثقافة شباب احتجاجية حاضر اليوم في معظم المدن الجزائرية الكبرى. ولا يزال همُّ موسيقيي الراب الجزائريين حتى اليوم هو الاحتجاج العلني على الأوضاع السياسية المزرية وكسر حاجز الصمت.

مزيج من الصوفية والوثنية
لا توجد فرقة موسيقية في العالم الإسلامي لها تاريخ غني بالتقاليد الموسيقية مثل الفرقة المغربية المسماة جهجوكة، ومع ذلك فإن الحضارة المعاصرة والتطور الاجتماعي ألقيا بالظلال عليها.

عوالم الموسيقى
الموسيقى بوتقة يمتزج فيها الشرق والغرب والشمال والجنوب والحاضر والماضي. في الملف التالي نتناول تأثير السياسة والعولمة على الإبداع الموسيقي كما نقدم تجارب موسيقية من بلاد عربية وإفريقية وأوربية